فرانشيسكا بوري تكتب من جنين؛ “أنت مستهدف فقط لأنك موجود”

على الأرض، كان هناك ما يبدو ظاهره أنه أعقاب سجائر ملقاة؛ لكن الحقيقة أنها لم تكن إلا بعض فوارغ طلقات إم 16 متناثرة على الطريق.

تبدو جنين وكأنها تشبه هياكل عربات خالية من اللوحات المعدنية تتناثر بين بيوت خرسانية تحيط بها جدران متهالكة، وقد زيّنتها رسومات لشواطئ وبحيرات وغابات وكأنها نوافذ عرض، أو مسارات للهروب.

كانت شوارعها مغلقة بالعوارض الحديدية والأسلاك الشائكة وأسطوانات الغاز وقوالب الطوب. فبعد ثلاثين عاماً من اتفاقيات أوسلو، قرر الفلسطينيون هنا العودة إلى حمل السلاح، وكان عام 2022 هو العام الأكثر دموية منذ اندلاع الانتفاضة الثانية.

ولكن لماذا الآن ؟ هذا السؤال، ولكن الإجابة ببساطة هي: ولماذا لا؟

“لقد صادفت صورة قديمة لي مع أصدقائي في وقت طفولتي: وأنا الوحيد منهم الذي ما زالت على قيد الحياة،” هذا ما قاله أحد المسلحين، وكرره مِراراً، بينما كان نعيم الزبيدي، 27 عاماً، يهز رأسه، وهو يُحضر القهوة – وهو لا يعرف أنه قد يكون الآن يقضي ساعاته الأخيرة.

وخلفه كانت صورة رعد حازم، الشخص الذي أطلق النار على حانة في شارع ديزنجوف في قلب تل أبيب في 8 أبريل (2022)، وبجانبها كانت هناك صورة  لجوليانو مير خميس، وهو مواطن عربي إسرائيلي.

لقد تم تدشين “انتفاضة الوحدة” في هذه الشقة المكونة من غرفتين في مخيم اللاجئين: حيث تم هنا أيضاً التأسيس لـ “مسرح الحرية” خلال الانتفاضة الأولى عن طريق أرنا مير، وهي يهودية. وقد تم تدميره خلال الانتفاضة الثانية، ولكن أعاد بناءه بعد ذلك ابنها جوليانو مير خميس، وزكريا الزبيدي، الوحيد من أصدقاء طفولته الذي كان لا يزال على قيد الحياة، والذي كان قائداً لكتائب الأقصى وأكثر المطلوبين للأجهزة الأمنية الإسرائيلية، لكنه مع تدشين “مسرح الحرية”، كان قد ألقى السلاح.

ولفترة طويلة، كانت جنين قبلة لفنانين من جميع أنحاء العالم يغدون إليها ويروحون، حتى اليوم الذي قُتل فيه جوليانو مير خميس: وكان ذلك على يد قاتل لم يتم الكشف عن هويته بعد. كان ذلك في عام 2011، وبعدها انهار كل شيء شيئاً فشيئاً. وسُمِع عن زكريا الزبيدي مرة أخرى فقط بعد عشر سنوات: بعد حصوله على درجة البكالوريوس ودرجة الماجستير في علم الاجتماع، ثم تم اعتقاله مرة أخرى. ومؤخراً كان قد هرب من سجن جلبوع عبر حفر نفق باستخدام ملعقة. ليعود من جديد ويتم تأسيس كتيبة جنين. وهو الآن في السجن مرة أخرى.

ومتصدر المشهد الآن هو جبريل الزبيدي، 36 عاماً، ابن عمه، الذي قال: “لم يكن ذلك بسبب حدث معين. والدافع هنا هو السياق نفسه. فاليمين المتطرف في إسرائيل أصبح عنيفاً بشكل متزايد: والسلطة الفلسطينية تنحرف بشكل متزايد”. يبلغ الرئيس محمود عباس من العمر 87 عاماً، والذي انتهت فترة ولايته في عام 2009، بينما يبلغ متوسط أعمار الفلسطينيين 21 عاماً. وكانت آخر انتخابات قد أجريت في عام 2006.

“إنه يدعونا لتسليم أسلحتنا. لكنه لا يستطيع حتى إعادة جثث موتانا من إسرائيل، والتي ترقد هناك في المشارح لأشهر، لتستخدمها كورقة مساومة. فما الذي يُتوقع أن يحققه لصالح الأحياء؟ “. “لقد بذلت قصارى جهدي. حاولت كل ما بوسعي.

حاولت أن أدرس، لكنني كنت طوال الوقت إما داخل السجن أو خارجه. حاولت السفر إلى الخارج، لكنني حُرمت من التأشيرة. حاولت العمل في إصلاح السيارات، لكن الورشة هُدمت. انشروا “الخوذات الزرقاء”: وسأتوقف عن القتال. لكن لا تخبرني عن المستقبل؛ عن خرائط الطريق ومحادثات السلام وعمليات السلام؛ لأن مشكلتي هي الآن.”

“عندما يقول إنه حاول بكل ما في وسعه، فهذا يعني حقاً أنه جرب كل شيء، مثلما فعل الجميع”، أومأ برأسه أحد رفاقه الذي يبلغ من العمر 18 عاماً، من مواليد 2004: العام الذي صدرت فيه فتوى محكمة العدل الدولية حول الجدار (جدار الفصل العنصري الذي أقامته إسرائيل في الأراضي المحتلة، والذي اعتبرته المحكمة غير قانوني).

وذلك لأنه بعد الانتفاضة الثانية، ركز الفلسطينيون كل رهاناتهم على القانون الدولي، والتضامن الدولي، على غرار ما فعل نيلسون مانديلا في جنوب أفريقيا. فهناك مظاهرات الجمعة؛ وحملة (بي دي إس) للدعوة لمقاطعة إسرائيل وفرض العقوبات عليها؛ والمطالبة بمقعد للفلسطينيين بالأمم المتحدة؛ ونيل العضوية في المحكمة الجنائية الدولية؛ وإقامة الدعاوى القضائية في المحاكم الإسرائيلية مع محامي منظمتي “بتسيلم” و “الحق” الحقوقيتين. وإذا كانت الصواريخ تُعتبر هي شعار غزة، ففي هذه السنوات الأخيرة كان شعار الضفة الغربية هو عهد التميمي: صفعة “النبي صالح” (لإسرائيل).

ويقول: “لكن ما الذي حصلنا عليه؟ إن الجدار اليوم يُعتبر نقطة جذب سياحي”. “ويُستخدم كخلفية لالتقاط صور السيلفي”. “الاختلاف الوحيد هو أنه في الماضي، كنتَ تصبح هدفاً إذا كنت مسلحاً. أما الآن فأنت هدف في كل الأحوال. أنت هدف فقط لأنك موجود”.

هم شباب في العشرينات من العمر مثل كل الشباب الآخرين. فهم ينتعلون أحذية “بلوندستون”، ويرتدون تي شيرتات من ماركة “هوديي”، ويذهلونك من حسن أخلاقهم. وكثير منهم حاصلون على درجة علمية. أنت تدرك أنهم مطلوبون فقط لأنهم يمتلكون تليفون “نوكيا” بدلاً من “آي فون”، لتفادي استهدافهم بواسطة المُسيّرات (الإسرائيلية).

ومع ذلك فهم يتم اعتبارهم جهاديين، رغم أنهم لا علاقة لهم بالقاعدة بطبيعة الحال، خاصة لأنهم ليسوا ضد إسرائيل في حد ذاتها، ولكنهم ضد الاحتلال (الإسرائيلي). إنهم جهاديون بالمعنى الحرفي للكلمة: من الجهاد، بمعنى السعي وراء الصواب – ما تعتقد أنه صواب. فالقتال هنا هو خيار أخلاقي، بغض النظر عن العواقب أو النتائج.

لا يهمهم أنهم يواجهون قوة نووية.

لا يهمهم أنهم يعيشون في الوقت الضائع.

ولهذا السبب هم مقلقون للغاية. لأنهم يدخلون اللعبة لتحقيق أي شيء.

وحتى لو لم يتحقق أي شيء.

والأهم من ذلك كله، أنهم سئموا من حركتي فتح و حماس.

ففي النهاية، هم يسمعون فقط لأنفسهم.

تقع جنين في أقصى شمال الضفة الغربية، وتبعد حوالي 40 ميلاً عن رام الله. تقطعها بالسيارة في ثلاث ساعات، أو أربع، أو خمس، أو سبع: حسب نقاط التفتيش التي تمر بها. ولا يوجد بها شيء مثل: حديقة، سينما، ملعب كرة قدم، أو مكان لعزف الموسيقى؛ فقط صور الشهداء، كما يقول الفلسطينيون، فهي في كل مكان: صور من قُتلوا – أو قَتلوا.

قد تسأل أين يمكن أن تذهب، للسمر مع الأصدقاء: ولا تجد أحداً يجيب على سؤالك. لا يمكنك التجول هنا باستخدام خرائط جوجل، بل باستخدام ويكيبيديا. فهذا الشارع هو الشارع الذي قُتلت فيه صحفية الجزيرة شيرين أبو عاقله، والشارع الآخر هو الشارع الذي تدخل منه الدبابات، وشارع آخر الذي لا تزال بعض العظام تتناثر على السطح أحياناً – منذ العام الذي دُمّر فيه مخيم اللاجئين وتم تسويته بالأرض.

هذا ما تبدو عليه جنين.

فجنين هي رمز لفشل اتفاقات أوسلو: التفاوض، ولكن في غضون ذلك، بناء دولة ومؤسسات – لحياة طبيعية.

“ذهبت معظم الأموال إلى رام الله. وبالمناسبة، فهناك الآن أدوية متوفرة في الصيدليات، نعم، لكن لا يمكنك تحمل تكاليفها. هناك جامعة، لكن لا يمكنك العثور على وظيفة بعد تخرجك. لأنه في ظل الاحتلال، ليس هناك إمكانية لوجود اقتصاد”، حسبما يقول نضال أبو صالح، رئيس البلدية، لأنه يوجد الآن رئيس بلدية، نعم: لكن مجلس المدينة ليس به كهرباء.

وبالإضافة إلى ذلك، فقد انخفضت المساعدات بمقدار النصف؛ فالآن كل شيء يذهب لأوكرانيا.

وبطريقة ما، فإن جنين تهم الإسرائيليين أكثر من الفلسطينيين؛ فبينما تبعد ثلاث ساعات بالسيارة عن رام الله: إلا أنها تبعد عشر دقائق فقط عن الجلمة، على الحدود. وهذه أقصر طريق لإمكانية تنفيذ هجمات انتحارية.

 كانت الأولى عام 1994. عندما فتح باروخ جولدشتاين  النار على المصلين في المسجد الإبراهيمي في الخليل بدعوى الانتقام من حماس. واليوم، يضع إيتمار بن غفير، الزعيم اليميني المتطرف الذي تم تعيينه للتو وزيراً للأمن، لديه صورته (باروخ جولدشتاين) في منزله.

واليوم في جنين، تحديداً وسط مدينة جنين، وفي وضح النهار، ترى فجأة قوات خاصة إسرائيلية وهم يقفزون من عربة فان صغيرة لا تستطيع حتى وصفها، حيث يبدون وكأنهم عمال جاؤوا لإصلاح أنبوب، أو هوائي: لكنهم في الحقيقة إسرائيليون جاؤوا للقبض على أحد المطلوبين.

واليوم يمكن أن يُعتبر بالفعل أي شخص هنا هو العدو (بالنسبة لإسرائيل).

وكان رد مسرح الحرية على مقتل جوليانو مير خميس هو ترك بابه دائماً مفتوحاً والأنوار مضاءة باستمرار. لكن لا توجد منظمة غير حكومية أخرى، فهي الوحيدة المتبقية. وهي حتى تبدو مجرد ظل لكيانها السابق.

يقول مصطفى شتا، رئيس المنظمة: “المقاومة تتخذ أشكالاً عديدة، ومقاومتنا كانت دائماً مقاومة ثقافية. بمشاهدة نفسك على خشبة المسرح، ومشاهدة نفسك في الخارج، تفهم من أنت: وإذا كنت ما تريد أن تكون”.

“لأنه في النهاية إذا استبدلت الاحتلال بمحمود عباس أو بقوانين الشريعة، فلا فائدة من ذلك”. وقال أيضاً، “فكِّر في لبنان، انسحبت إسرائيل، وكل شيء أصبح أسوأ.”

“لكن لم يعد هناك من يتوقف للتفكير. المقاومة المسلحة أمر مشروع، صحيح، إنها حقنا، لكن السؤال أيضاً هو: هل هناك معنى لذلك؟ لأن الأمر لا يتعلق فقط بالبقاء على أرضنا: ولكن أن نبقى نحن أنفسنا”.

عدنان نغنغية هو المدير الفني لمسرح الحرية وذاكرته التاريخية: حيث كان هنا منذ البداية. وهو صريح بطبيعة الحال. يقول: لقد عدنا إلى المربع الأول. “لكن الانتفاضة الثانية كانت أكثر تنظيماً. كان لديك حينها حماس وفتح. وكانت لديك استراتيجية. بينما الآن لا تتبع حماس أو فتح، لكنك تتابع إنستجرام؛ أنت تتابع تيك توك. الآن يمكن لأي شخص أن يقرر أنه قد طفح الكيل: ويشرع في القيام بأعمال، ” يقول عدنان، وهو يعني بـ “أي شخص” حقاً: أي شخص. فرعد حازم، صاحب عملية إطلاق النار في شارع ديزنجوف في قلب تل أبيب، مرَّ من هنا.

واليوم أيضاً أصبح من الممكن أن يكون أي شخص في إسرائيل هو العدو فعلاً.

لا يوجد تنظيم: وبطريقة ما، هذه تُعتبر أحد المميزات. لقد تحولت المقابر هنا إلى نوع من أماكن الاستراحة، مثل مقبرة نابلس، حيث يقضي فيها الفتيان ليلهم بين قبور من مات من “عرين الأسود”:

لأن جنين ليست سوى واحدة من العديد من النقاط الساخنة التي تلهم وتعزّز بعضها البعض؛ الخليل، مع مواجهتها اليومية مع المستوطنين؛ الشيخ جراح، حيث تُعتبر الجرافات وأوامر إخلاء هي العدو هناك؛ “النبي صالح”، التي لا تزال تقف ضد جدار الفصل؛ وغزة بالطبع. إنه يبدو مثل سباق تناوب؛ فبمجرد إخماد النيران في مكان، يتم إشعال فتيل آخر على جبهة أخرى. بما في ذلك الجبهة الإسرائيلية؛ وجبهة رعد حازم.

وبهذا الشكل، يمكنك سحقهم: لكن لا يمكنك أبداً القضاء عليهم.

ومع ذلك، فإن ميزتهم الرئيسية هي عيبهم الرئيسي أيضاً. يقول عدنان نغنغية: “ولأنهم يعملون بدون تنظيم، فلا يمكن التنبؤ بما قد يفعلوه، ويصعب إيقافه: ولكن من السهل أيضاً التلاعب بهم. فمن أين تأتي كل هذه الأسلحة؟ من يدفع؟ وبأية أجندة؟” عاجلاً أم آجلاً، سيتنحى محمود عباس. وسيأتي يوم الحساب.

هناك انقسام بين حماس وفتح، وهما أيضاً تعانيان من انقسامات داخلية؛ انقسامات تعكس الانقسامات الواقعة بين إيران وقطر والإمارات والولايات المتحدة. ويقول: “ابني أيضاً في السجن. ولكني بصراحة، أفضل ذلك. لا أريد لابني أن يُقتل. لكني أيضاً لا أريده أن يَقتل”.

وخلال الغارات الجوية الإسرائيلية الأخيرة على غزة، في شهر أغسطس، لم ترد حماس، لأن إسرائيل قصفت الجهاد الإسلامي: خصمها اللدود. وهذا شيء لا تخطئه العين.

في تلك الأثناء، كان هناك بريطانيان في زيارة لجنين. ليس لديهم فكرة عن زكريا الزبيدي، ولا حتى بحثوا على محرك البحث جوجل عن “مسرح الحرية”. لكنهم يؤصلون للمقاومة المسلحة. يقول أحد الممثلين: “بالطبع. لن يدفعوا أي مقابل”.

هناك بروفة “مترو غزة”، لمخرج سويسري. وعلى الرغم من أنه كان هنا منذ أكثر من شهر، إلا أنه لم يتعلق بجنين، وشعرت أنه تم اختياره فقط لأنه لم يكن هناك أي شخص آخر: باعتبار أن هذه هي أول مسرحية بعد كوفيد-19. ويدفع صبغ المقاومة بالصبغة الإسلامية النشطاء الدوليين بعيداً – وخاصة الآن، حيث هناك بدائل أسهل، من أوكرانيا إلى شمال سوريا. لكنها في الحقيقة قطيعة متبادلة. في الماضي، كان الفلسطينيون يؤسسون منظمات غير حكومية. أما اليوم فالتفكير في إنشاء موقع على غرار “إير بي إن بي” (لتأجير واستئجار أماكن السكن).

في المقابل، فكل جنين تدعم كتائبها. حيث يوجد في جميع العائلات هنا قتلى، وجرحى، وسجناء، ومنازل مدمَّرة، وحرمان من العلاج، وجميعهم يعيشون حياة تشبه كثيراً تقريراً لمنظمة العفو الدولية: لكن جنين هي المدينة الوحيدة التي يتلو فيها الفلسطينيون القائمة ليس بعيون يائسة، ولكن بكل فخر وبعيون متحدية، في واقع الأمر. لأن هذا هو ما تقوم عليه سمعتك. وكلما طالت القائمة، وكلما لم تستسلم لوضع الضحية: كلما كان ذلك يعني أنك صمدت وكان هذا بمثابة الرد منك.

وبالإضافة إلى كل ذلك، فكل عائلة هنا هي عبارة عن مزيج. فهناك شخص ما يقاتل، والبعض لا يقاتل، والبعض الآخر لن يقاتل أبداً؛ هناك شخص ما ينتمي لحركة فتح، وشخص آخر من حماس، وشخص ثالث من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين؛ وهناك شخص قد سئم ويريد المغادرة فقط: لهذا السبب هناك متسع لكل المواقف. ولهذا السبب هناك وحدة.

ولا يتعلق الأمر في ذلك بالشباب فقط. فعند مدخل المستشفى هناك صورة الطبيب المشهور عبدالله الأحمد، الذي قُتل في 14 أكتوبر؛ بطلقة من بندقية من طراز إم 16.

الرجل الذي يخبرني قصته يتحدث الإنجليزية بطلاقة. سألته: لماذا؟ أين تعلمت ذلك؟ وعرفت أنه كان مسؤولا رفيع المستوى في وكالة تابعة للأمم المتحدة. وهو يقول الآن: هذه المرة لن نخطئ.

ويقول المحافظ أكرم الرجوب: “ليس هناك شيء جديد في الواقع. فتحول إسرائيل إلى التوجه نحو اليمين يعود إلى مقتل رابين”. “وإسرائيل ليست أقوى من أي وقت مضى، على الإطلاق. وقد ذهبت إلى صناديق الاقتراع خمس مرات في أربع سنوات. نتنياهو وعد المستوطنين بالأرض، لأنه بدون المستوطنين، الذين تضاعف عددهم ثلاث مرات منذ اتفاقيات أوسلو، لن تكون له أغلبية. وهو سيحافظ على كلمته للحفاظ على أغلبيته “؛ ويفوز بموجبها، ليس فقط بالحكومة: ولكن بالحصانة من المحاكمات في القضايا المتورط فيها.

إسرائيل تريد رد فعلنا، ولكنه في الحقيقة بمثابة فخ. “لكن الكثير من الفلسطينيين لا يدركون ذلك. ويطلقون النار على الدبابات. أنت بالكاد تخدشها. وحتى إذا حصلت على قذائف آر بي جي: فقد حصلت إسرائيل على طائرات إف 35.”

ويقول: لا يوجد هناك رأس، ويقصد أنه لا يوجد نوع من التوجيه أو تحكيم العقل والمنطق. لأنه عسكريا لا يوجد أي تكافؤ. “لكنهم يشاهدون علمنا يرفرف في كأس العالم، ويعتقدون أن العالم معنا. وأننا سنفوز.”

ويقول: لقد رأينا الانتفاضة الثانية كيف انتهت، كما يقول. ومع ذلك يقول أيضاً: ولكن كيف يتسنى ضبطهم؟ ما البديل الذي يمكنني تقديمه؟ أي مستقبل؟

كان الوقت يقترب من المساء. وهناك خمسة قتلى في الضفة الغربية اليوم.

كانت الساعة 2:04 صباحاً، عندما دوي فجأة انفجار أضاء الليل، ومن على المآذن، كان المؤذّنون ينادون بالسلاح. وشيئاً فشيئاً تضيء الأنوار الواحدة تلو الأخرى، وتستيقظ جنين كلها بينما كانت رتل عسكري إسرائيلي يشق طريقه عبر الشارع الرئيسي، وعلى الفور، تمطر الدبابات نيرانٌ مضادة، والتي لا تجعلها حتى تحيد عن مسارها أو تُسرّع من معدل سيرها.

في تلك الأثناء، يستيقظ الجميع، في جميع أنحاء الضفة الغربية، في جميع أنحاء غزة، وفي كل المناطق، ويتبادل الفلسطينيون النصائح على تطبيق تليجرام، أين يتحركون، أين يختبئون، أين يستهدفون، كلهم تحولوا إلى حراس، إلى ناقلي أخبار، من يرى من في خلايا الأزقة – وعلى مدى ساعة، كانت المعركة. دوي إطلاق النار المستمر تقطعه فقط  صفارات الإنذار لسيارات الإسعاف.

ومع سقوط أي جرحى، أو أي قتلى، تتعالى صيحات: الله أكبر.

وفي الصباح، يقف الفلسطينيون أمام المشرحة. المشهد كئيب. يحدّقون في الأرض، حيث يعرج المصابون بكدمات في العين وضمادات في الرأس. وأولئك الذين أصبحوا شهداء جدد في جنح الليل، أصبحوا أبطال جدد للاحتفاء بهم، ولكن حالهم الآن أنهم أصبحوا جثث موتى جدد.

كان جبريل الزبيدي مذهولاً من وقع الصدمة؛ فقد كان أحد القتلى هو نعيم الزبيدي، ابن عمه. لم يزد على أن نظر تجاهي، وهو يقول: وسيأتي بعد ذلك الدور على ابني، ثم من بعده على حفيدي.

المعهد المصري للدراسات

اساسيجنينفلسطينمخيم جنين