بعد عام: تداعيات السابع من تشرين الأول/أكتوبر في تحاليل غربية

بعد قيام حركة “حماس” بهجومها قبل عام، شرعت إسرائيل في حرب استنزاف ضد أعدائها، حققت خلالها مكاسب تكتيكية ملموسة، لكن من دون أن تضمن نجاحها في ترجمة هذه المكاسب إلى نصر استراتيجي. وسأحاول في هذا العرض أن أرصد بعض التحاليل الغربية التي توقفت عند التداعيات الجيو-سياسية  للأحداث التي ارتبطت بذلك اليوم وأعقبته، وكذلك عند تداعيات تلك الأحداث على مستوى الوعي.

أولاً: التداعيات الجيو-سياسية

يجمع المحللون الغربيون تقريباً على أن السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 مثّل منعطفاً استراتيجياً في الشرق الأوسط، لعله يغيّر الوجّه السياسي لهذا الإقليم.

تداعيات إقليمية ودولية بحسب “مؤسسة البحوث الاستراتيجية”

في تقرير نشرته في 27 أيلول/سبتمبر 2024، عدّدت “مؤسسة البحوث الاستراتيجية” في باريس هذه التداعيات الجيو-سياسية للحرب الإسرائيلية، فأشارت أولاً إلى أن الرد العسكري الإسرائيلي على هجمات 

7 أكتوبر منح مضموناً ملموساً لـ “محور المقاومة” من خلال “توفير فرصة لقواه لإظهار تضامنها مع القضية الفلسطينية” على قاعدة مبدأ “وحدة الساحات”. وفي المقابل، واصلت إسرائيل الحرب التي تشنها على قطاع غزة، وبدّدت، في أيار/مايو الفائت، احتمالات وقف إطلاق النار، الضئيلة أصلاً، عندما سيطر جيشها على محور فيلادلفيا الذي يمتد على طول الحدود بين مصر وقطاع غزة. ثم سعت إلى تفكيك “وحدة الساحات”، فوسّعت، منذ 17 أيلول/سبتمبر الفائت، ردّها على حزب الله، ليتحوّل إلى حرب شاملة لم يعد يقتصر هدفها على إرجاع النازحين الإسرائيليين إلى منازلهم في الشمال، بل صار يشمل القضاء على قدرات حزب الله العسكرية وتصفية قياداته، من دون أن “تكلف نفسها عناء الأخذ بعين الاعتبار الأضرار التي تلحقها هجماتها بالمدنيين اللبنانيين”. كما شنت هجومين جويين كبيرين على بنى تحتية وعلى مواقع “أنصار الله” في اليمن، وهي تستعد الآن لشن هجوم على إيران، زعم وزير أمنها أنه سيكون “كبيراً” و “مفاجئاً”.

من ناحية ثانية، أحدث الرد الإسرائيلي العسكري على هجوم حركة “حماس” تغيّراً في توجهات الولايات المتحدة الأميركية، التي “كانت تنوي منذ عهد الرئيس باراك أوباما الانسحاب التدريجي من الشرق الأوسط، كي تركّز على التحديات التي تواجهها في المحيطين الهندي والهادي”، والتي حاولت، في عهد الرئيس دونالد ترامب، إخراج إسرائيل “من العزلة الإقليمية من أجل بناء جبهة مشتركة بين حلفائها الإقليميين ضد إيران”، من خلال “اتفاقيات إبراهيم”، لكنها “وجدت نفسها مضطرة إلى العودة بقوة إلى الشرق الأوسط، كي تشارك في الحرب التي تخوضها إسرائيل وتشكّل غطاءً عسكرياً وسياسياً لها”، وتعمل معها من أجل “حسم الحرب في غزة ولبنان، واستعادة الأمن البحري في البحر الأحمر، ومنع عسكرة برنامج طهران النووي”. وعلى صعيد آخر، تسببت الحرب الإسرائيلية في تهديد الاستقرار الداخلي للدول المحيطة بفلسطين، وخصوصاً الأردن ومصر، وعززت حضور القوى المناهضة لـ “السلام” مع إسرائيل، كما شهد على ذلك فوز “حزب جبهة العمل الإسلامي” في الانتخابات التشريعية الأردنية التي جرت في بداية شهر أيلول/سبتمبر الفائت.

من ناحية ثالثة، صارت إسرائيل نفسها، في خضم الحروب التي تشنها، في حاجة إلى “الدعم الأميركي أكثر من أي وقت مضى، كما اتضح من نظام الحماية الذي وضعته الولايات المتحدة ليلة 13 نيسان/أبريل، وخصوصاً إذا أرادت توجيه ضربات كبيرة ضد إيران”. لكنها، في المقابل، ما زالت ترفض التجاوب مع الخطة الأميركية القائمة على فكرة “الصفقة الكبرى” التي تقضي بأن تلتزم إسرائيل، ولو من حيث المبدأ، بـ “حل الدولتين” في مقابل تطبيع علاقاتها مع المملكة العربية السعودية.

من ناحية رابعة، أظهرت الأحداث التي شهدتها المنطقة خلال عام أن الأوروبيين هم “خارج اللعبة”، وأن  تراجعهم في المنطقة، يرتبط جزئياً بحقيقة “أنه لا يُنظر إليهم كقوة دبلوماسية، ولا كقوة أمنية وعسكرية؛ وبالنسبة للأغلبية العظمى من الرأي العام العربي، فإن عدم قدرتهم على إحداث تأثير هو بمثابة تواطؤ مع الهجوم الإسرائيلي”. أما روسيا والصين، فقد ظهرتا بصفتهما “الرابحتين” من كل هذه الأحداث[1].  

 “إسرائيل  تدّعي أنها تعيد تشكيل الشرق الأوسط من خلال الحرب”

تحت هذا العنوان، نشر جو ماكارون، الأستاذ-الباحث في “مركز ويلسون” الأميركي للأبحاث، والمقيم في باريس، مقالاً في 8 تشرين الأول/أكتوبر في مجلة “أوريان 21” الإلكترونية، قدّر فيه أن هجمات إسرائيل على حزب الله  “تتجاوز كثيراً الهدف المعلن رسمياً، وهو السماح بعودة سكان شمال البلاد”، ذلك إن رئيس وزرائها، من خلال مهاجمة قوات الحزب وتصفية قياداته “يريد إضعاف إيران ويسعى إلى إعادة تشكيل المنطقة برمتها”، من خلال “فرض وضع إقليمي جديد مناسب قبل أن تتولى إدارة أميركية جديدة السلطة في يناير/كانون الثاني المقبل”، علماً بأن هذه الاستراتيجية “تثير مخاطر نشوب صراع إقليمي” واسع، وخصوصاً في حال تطوّر المواجهة بين إسرائيل وإيران. وتابع الكاتب تحليله، فأشار إلى أن بنيامين نتنياهو، الذي “لا يمكن السيطرة عليه”، أغرق إسرائيل “في أطول حرب في تاريخها، مع القتال على عدة جبهات؛ وبعيداً عن النشوة المباشرة التي تأتت من اغتيال زعماء حزب الله و”حماس”، فهو لا يملك أي استراتيجية سواء في غزة أو في لبنان”. أما الولايات المتحدة، التي تزوّد إسرائيل بأدوات التدمير، “فينظر إليها الآن على أنها متواطئة أو غير قادرة على التأثير على حليفها الرئيسي في الشرق الأوسط”، ليخلص إلى أن ما سيحدث في لبنان وغزة “سيعتمد إلى حد كبير على كيفية تعامل واشنطن مع التنافس بين إسرائيل وإيران، مقدّراً أن الحسابات الخاطئة تشكّل “أكبر مخاطر توسيع الصراع، ما لم تدخل واشنطن وطهران في محادثات، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، لتقييد حليفتيهما، إسرائيل وحزب الله”[2].

بعد مرور عام: ما هي الدروس الجيوسياسية؟

ركّز باسكال بونيفاس، مدير “معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية” في باريس، في تحليل نشره في 8 تشرين الأول/أكتوبر الجاري، على التداعيات على المجتمع الإسرائيلي، مؤكداً أن سياسة اللجوء إلى القوة التي تنتهجها حكومة بنيامين نتنياهو لا تضمن الأمن لإسرائيل؛ فهو انتقد، في البدء، هجوم حركة “حماس” قبل عام، الذي كان “معظم ضحاياه من المدنيين”، مدرجاً إياه في إطار هجمات الحركة المتكررة على إسرائيل التي “أضعفت معسكر السلام وقوضت الثقة التي كان يمكن أن تكون لدى الإسرائيليين في عملية تفاوضية”، وجعلت “القضية الفلسطينية غير مسموعة وغير مقبولة لدى الإسرائيليين”، لكنه أضاف بأن الإقرار بهذه الحقيقة لا يعني “إنكار مسؤولية بنيامين نتنياهو”، الذي “جعل من المستحيل أن يكون للفلسطينيين أي آفاق سياسية، الأمر الذي صبّ بصورة غير مباشرة في صالح حماس”. وبعد مرور عام على ذلك الحدث، ظل المجتمع الإسرائيلي يعاني من “حالة صدمة دائمة”، وغير مكترث بـ “معاناة الشعب الفلسطيني”، وذلك على الرغم من أن “عدد الضحايا المدنيين الفلسطينيين بلغ ما لا يقل عن 41,000 قتيل، يضاف إليهم ما يقرب من 100,000 جريح ومشوه، ومن المرجح أن يكون هذا الرقم أعلى من ذلك بكثير إذا أضفنا الضحايا الذين لا يزالون تحت أنقاض القصف أو الذين توفوا نتيجة إصاباتهم”. وبعد أن لاحظ باسكال بونيفاس “تزايد الكراهية لدى كلا الجانبين”، خلص إلى أن اعتقاد قادة إسرائيل، وعلى رأسهم بنيامين نتنياهو، بأن القوة “هي السبيل الوحيد لإعادة الأمن”، ولجوءهم إلى سياسة الانتقام “في غزة والضفة الغربية والآن في لبنان، وربما قريباً في إيران”، لن يسفرا عن إعادة الأمن، ذلك إن “التاريخ والأحداث الحالية يظهران أن سياسة القوة هذه هي طريق مسدود، والأسوأ من ذلك أنها تشكل خطراً أكبر على أمن إسرائيل، لأن استخدام القوة لم يؤدِ أبداً إلى تحقيق الأمن – بل على العكس تماماً؛ فالتاريخ، ولا سيما في لبنان وغزة، أظهر أن التدخل بعد التدخل، وانتصارات إسرائيل العسكرية لم تترافق مع انتصارات سياسية، وأن المعارضة، بما فيها المسلحة، لإسرائيل قد أعيد تشكيلها بعد هزيمة حزب الله وحماس”، مقدّراً أنه “طالما لا يوجد منظور سياسي، سيبقى هذا الواقع قائماً”[3].

وركّز اوليفييه روا، مدير الدراسات في “المركز الوطني للأبحاث العلمية” في فرنسا، كذلك، في تحليل نُشر في 7 تشرين الأول/أكتوبر الجاري، على التداعيات على المجتمع الإسرائيلي وعلى التداعيات على النظام العربي، فأشار، في البدء، إلى أن إسرائيل وجدت نفسها “مجبرة على القتال على عدة جبهات”، وقررت “رفع مستوى ردّها”، بحيث تجاوز “الاحتواء”، ليصل إلى حد السعي إلى “إبادة، حلفاء طهران، ومنع إيران من مساعدتهم”، وهو ما يدل على “تغيّر” في الرؤية الاستراتيجية الإسرائيلية “لا يمكن اختزاله في رغبة بنيامين نتنياهو البسيطة في إطالة أمد الحرب لتجنب المحاكمة”، مقدّراً أن هذه الرؤية الاستراتيجية “تذهب إلى ما هو أبعد من مجرد السعي إلى تحقيق الأمن، والذي كان المبدأ الموجه حتى السابع من أكتوبر”، ذلك إن اليمين الإسرائيلي الحاكم “لا يريد دولتين، ويقول ممثلوه الأكثر تطرفاً ذلك ويكررونه علناً؛ إنهم يريدون اختفاء الفلسطينيين كفلسطينيين؛ فإما أن يختفوا لأنهم ماتوا، أو يختفوا لأنهم اضطروا إلى الرحيل إلى المنفى، أو إنهم يبقون مجرد عرب مثل الآخرين، بعد تخليهم عن كل مطالبهم الوطنية”ـ وبعد أن لاحظ أوليفييه روا أن هناك في الغرب “من يعوّل كثيراً على الحركة المناهضة لنتنياهو في إسرائيل”، أكد أن هذه الحركة “لا تشكّل بأي حال من الأحوال حركة دعم للفلسطينيين”، وإنما هي حركة تتعلق “بالمسائل السياسية الداخلية للمجتمع الإسرائيلي”؛ فبالنسبة إلى بعض المتظاهرين الذين “ينتقدون نتنياهو لعدم رغبته في إنقاذ حياة الرهائن، فإن قتل 500 مدني فلسطيني مقابل رهينة واحدة تم إنقاذها لا يمثل مشكلة؛ فمصير الفلسطينيين ليس من شأنهم”، وليس لدى “اليسار” الإسرائيلي “أي استراتيجية لمعارضة استراتيجية اليمين، وهو لم يمنع قط المستوطنين من التعدي على الأراضي الفلسطينية، والبلد برمته ينزلق من البحث عن التوازن الأمني ​​إلى التطهير العرقي لفلسطين”. وبينما يصبح منظور الدولتين “مغلقاً”، تترسخ “عزلة” الفلسطينيين عربياً، إذ “لم تعد هناك أي دولة عربية تدعم القضية الفلسطينية بشكل نشط – أو حتى سياسي”، بل واصلت بعض الدول العربية “بهدوء سياسة التقارب مع إسرائيل، وتلقي باللوم على حماس في السعي إلى خلق أزمة” في الإقليم، بينما “لم توقف خطابات أردوغان الغاضبة مبيعات الأسلحة التركية لإسرائيل”[4].

ثانياً: التداعيات على مستوى الوعي

منذ 29 شباط/فبراير 2024، قدّر باسكال بونيفاس أن “ازدواجية المعايير” هي “سمة يومية للحرب في غزة”، ذلك إن النقاش العام وكلمات رؤساء الدول الغربية وتحاليل أغلبية وسائل الإعلام توحي “بأن أحداث 7 أكتوبر الفظيعة هي وحدها التي بقيت في تاريخ الصراع الإسرائيلي الفلسطيني”، في حين أن “75 عاماً من القمع والاحتلال الإسرائيلي غير القانوني يتم التعتيم عليها، وأولئك الذين يحاولون تحليل الوضع من خلال منظور تاريخي أوسع يخاطرون بتوجيه سلسلة من الاتهامات إليهم، وهي اتهامات باطلة بالنظر إلى ما هو على المحك”[5].

والواقع، أن بعض المحللين ركّز، في الذكرى السنوية الأولى للسابع من تشرين الأول/اكتوبر، على ازدواجية المعايير هذه، منتقداً، بصورة خاصة، محاولات “تزييف” التاريخ، واعتبار أن الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي بدأ فقط في ذلك اليوم. ففي مقال بعنوان “7 أكتوبر: التزييف المزدوج للتاريخ” نُشر في 2 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، رأى الصحافي الفرنسي دوني سييفر، المدير السابق لأسبوعية “بوليتيس”، أنه “منذ اليوم الذي أعقب هجوم حماس قبل عام مضى، ترسخت رواية في الفضاء العام، مفادها أنه لن يكون هناك ”ما قبل“، و”ما بعد“، بل لن يكون سوى دفاع عن النفس لدولة كان وجودها مهدداً”، بينما “أصبحت أي محاولة للتأكيد على الطبيعة الاستعمارية للصراع الإسرائيلي الفلسطيني مشبوهة بمعاداة السامية”. ومن هنا “جاء التعتيم شبه الكامل وحظر دخول الصحافيين الغربيين إلى القطاع الفلسطيني”، كما “جاءت الرواية المضبوطة التي تقلل من حجم المجزرة وتبررها بحجة واحدة: مطاردة ”الإرهابيين“ على نطاق واسع”. ولا يخلو الأمر من الإيحاء بأن جميع سكان غزة “كانوا متواطئين في المجزرة، وبالتالي كان مصيرهم العقاب نفسه”، ذلك إنه “لا يمكن أن يكون هناك أبرياء بين سكان غزة، ومفهوم الأضرار الجانبية قد تم إلغاؤه”. وهكذا، وكما يتابع الصحافي “ليس القمع الذي تعرض له الفلسطينيون على مدى عقود من الزمن هو الذي يقف وراء هجوم 7 أكتوبر، بل معاداة السامية المتوارثة، أي الكراهية الأبدية والمستمرة لليهود”. وهكذا “ننسى أنه منذ سنة 2007، أصبحت غزة أكبر معسكر اعتقال في التاريخ، كما وصفها عالم الاجتماع الإسرائيلي باروخ كيمرلينغ؛ ننسى النكبة، أي التطهير العرقي الهائل الذي أدى إلى تهجير 800,000 فلسطيني من أرضهم سنة 1948، وننسى ضم القدس في سنة 1980، وننسى، في هذه اللحظة بالذات، الغارات القاتلة التي يشنها المستوطنون في الضفة الغربية، وفوق كل شيء، ننسى توطين 500,000 مستوطن على الأرض الفلسطينية، باسم قراءة أسطورية للتاريخ”[6].

وكان الفيلسوف والمؤرخ الإيطالي إنزو ترافيرسو، المتخصص في دراسات النازية ومعاداة السامية، قد أصدر مؤخراً كتاباً بعنوان: “غزة أمام التاريخ”، تساءل فيه عن معنى العنف الذي تمارسه إسرائيل ضد غزة والفلسطينيين اليوم؛ فاقتبس في بداية كتابه الكلمات التالية لضابط إسرائيلي: “لا شيء يحدث بالصدفة؛ كل شيء متعمد. فقد يكون من الضروري قتل فتاة تبلغ من العمر 3 سنوات في منزل في غزة، لأن أحد الأشخاص في الجيش قرر أن موتها ليس بالأمر المهم، وأن هذا هو الثمن الذي يجب دفعه للوصول إلى  هدف آخر؛ نحن نعرف بالضبط حجم الأضرار الجانبية التي تلحق في كل منزل”، ليبيّن وجود “نية الإبادة الجماعية” لدى ضباط في الجيش الإسرائيلي ووزراء رئيسيين في الحكومة الإسرائيلية[7]، وهو ما يجعله يعرّف الصراع الحالي بأنه “إبادة جماعية”، مستنداً في ذلك إلى دراسات الإبادة الجماعية التي تخصص فيها. ومن ناحية أخرى، يرفض إنزو ترافيرسو أن يتم تصنيف هجوم حركة “حماس” ضمن أفعال “معاداة السامية”، مشيراً إلى أنه “من المؤكد أن الجرائم التي ارتكبتها حماس في السابع من أكتوبر لا يمكن الدفاع عنها، ولكن لا يمكن وصفها بأنها “أسوأ مذبحة في التاريخ بعد المحرقة”؛ إن إدراجها في سردية معاداة السامية القديمة يضفي الشرعية على الرد الإسرائيلي، ويحجب قضية الفلسطينيين الحقيقية: عقود من الاستعمار وستة عشر عاماً من العزل الكامل لقطاع غزة”[8]. ومن هذا المنظار، يصبح هجوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر فصلاً من فصول “مقاومة الوضع الاستعماري المتمثل في المصادرة والعزل والتعسف الذي ظل الفلسطينيون هدفاً له منذ بداية انتشار الحركة الصهيونية”، ثم بعد إقامة دولة إسرائيل التي جاء قيامها بعد المحرقة في سياق “تخليص أوروبا من دينها الهائل إزاء اليهود”، وضمان”التواصل الإمبريالي” من خلال الولايات المتحدة الأميركية “في منطقة تقع في قلب كل المطامع بين القوى العظمى والقوى الإقليمية”. ويسلط كتاب “غزة أمام التاريخ” الضوء أخيراً على سبل تمكين الحركة المناهضة لأفعال الإبادة الجماعية في غزة، والمتضامنة مع فلسطين، من أن تضطلع بدور مماثل لذلك الذي اضطلعت به حركة التعبئة ضد حرب فيتنام في نهاية الستينيات، على الرغم من القمع والحظر في العديد من البلدان، وذلك على قاعدة التحالف بين “الجنوب العالمي” وبين أولئك في “الغرب” الذين هتفوا “ليس باسمنا”، “ليس باسمنا”، معبرين عن دعمهم فلسطين ومعارضتهم المجزرة المستمرة[9].

[1] https://www.frstrategie.org/publications/notes/moyen-orient-un-apres-7-octobre-tragique-illusion-guerres-inevitables-2024

[2] https://orientxxi.info/magazine/israel-pretend-faconner-par-la-guerre-le-proche-orient-7665

[3] https://www.iris-france.org/189170-7-octobre-un-an-apres-quelles-lecons-geopolitiques

[4] https://legrandcontinent.eu/fr/2024/10/07/le-tournant-strategique-du-7-octobre-israel-dans-la-nouvelle-geopolitique-du-levant

[5] https://www.iris-france.org/184030-gaza-le-debat-fausse

[6] https://www.politis.fr/articles/2024/10/israel-palestine-le-7-octobre-la-double-falsification-de-lhistoire

[7] https://www.politis.fr/articles/2024/10/entretien-enzo-traverso-le-concept-de-genocide-a-gaza-apparait-clairement-justifie

[8] https://luxediteur.com/catalogue/gaza-devant-lhistoire/

[9] https://www.revolutionpermanente.fr/Enzo-Traverso-Gaza-et-le-genocide-en-cours

ماهر الشريف – مركز الدراسات الفلسطينية

اساسيطوفان الاقصىغزةفلسطين