يواصل الساسة في لبنان لعبتهم المفضّلة في إضاعة الوقت ومعه الكثير من الفرص المناسبة سياسيًا واقتصاديًا والتي من شأن استثمارها بالشكل المطلوب أن تساهم في انتشال اللبنانيين من مستنقع اليأس والعوَز الذي يتخبطون فيه. إلا أن المسألة لم تعد مجرّد لعبة مفضّلة لدى البعض، ولا قصور في فهم المخاطر المحدقة والفرص الضائعة، بل وصلت عند البعض إلى مستوى تأدية المهام والوظائف المطلوبة.
نعم، وظيفة البعض في لبنان ومهمته الأساس التخريب، في السياسة والأمن والاقتصاد، والإمعان في إغراق اللبنانيين في الوحول، وتصعيب عملية انتشالهم. اليوم، يعمد هذا البعض، المعروف بالنسبة إلى كل اللبنانيين، إلى اللعب بورقة الفراغ الرئاسي، باعتبارها فرصة لا يجب تفويتها في سياق تأدية وظيفة إيذاء لبنان واللبنانيين. التمهيد لفراغ رئاسي طويل، وإدخال البلاد في فوضى دستورية مع الإصرار على تسليم حكومة تصريف الأعمال مقاليد البلاد بغياب مؤسسة رئاسة الجمهورية عن المشهد، فضلًا عن أنه أول أبواب الفوضى الموصلة إلى الاحتراب الطائفي والأهلي في لبنان، إلا أنه أيضًا مطلب إسرائيلي ملحّ.
يقف الكيان الصهيوني اليوم موقفًا مربكًا بعد دخول المقاومة بثقلها على ملف ترسيم الحدود البحرية مع فلسطين المحتلة، وهي قد نجحت في إرساء معادلات ردع بحرية أربكت حسابات العدو، الذي وجد نفسه مضطرًا للتراجع مرارًا عن مواعيد ضربها للبدء في إنتاج الغاز من حقل كاريش وبيعه. وتزداد حراجة الموقف الصهيوني مع التشتت الداخلي الذي يعيشه على المستوى السياسي بانتظار أن تحسم انتخابات الكنيست المقررة في الأول من تشرين الثاني المقبل الفريق الصهيوني الحاكم، بحيث ستكون ورقة الترسيم مع لبنان صوتًا حاسمًا فيها.
أما على المقلب اللبناني، فإن البعض يؤدي مهمة إطالة أمد الفراغ إلى ما بعد الانتخابات الإسرائيلية، بهدف تمرير انتخابات الصهاينة من دون ضغط ملف الترسيم أولًا، وثانيًا ليأتي الفريق الحكومي الصهيوني الفائز “على رواق” ويطرح شروطه ورؤيته، ويقوم “الوسيط” الأميركي عاموس هوكشتاين بالضغط على الطرف اللبناني للذهاب إلى التوقيع على اتفاق الترسيم، بغياب رئيس للجمهورية بصفته الجهة المخوّلة دستوريًا التوقيع، والطعن الداخلي الذي ستتلقاه حكومة تصريف الأعمال بسبب عدم أهليتها لأن تحلّ محل رئاسة الجمهورية في هذا الإطار. وهنا، يكون لبنان الطرف الأضعف في المعادلة، ويكون هذا البعض قد نجح في إبطال مفاعيل أوراق القوة اللبنانية المتمثلة بمعادلات الردع التي أرستها المقاومة في عملية ترسيم الحدود البحرية للبنان مع فلسطين المحتلة.
إنْ كان التجاذب الداخلي اللبناني على المناصب والمكاسب يبرّر للبعض ضرب عرض الحائط بسيادة لبنان ومصالحه العليا، فإن إصرار هذا البعض على سلوكه قد تخطى الهامش المسموح حتى بانت ملامح العمالة في طيّاته.