بين التكليف والاستشارات غير الملزمة على طريق الحكومة، وبين تمنّع البعض في سبيل التعطيل أو النكد السياسي أو استجابة للتعليمة السفاراتية كما هو حال القوّاتيين ومن لفّ لفّهم، ومساعي الآخرين وأبرزهم حزب الله لتجاوز كلّ ما يمكن من عقبات في سبيل الحثّ على صناعة حكومة تتدارك قليلًا الوضع الاقتصادي والمعيشي المنهار، بين الحكومة التي يحاول ميقاتي، الرئيس المكلّف، صياغة عناصرها، وتلك التي في طور تصريف الأعمال، يقف اللبنانيون اليوم غير معوّلين على انجازات حكومية، ومرغمين على الأمل بالنجاة من الحبال التي حيكت بعناية حول أعناقهم.
يدرك الجميع، حتى معارضي الطرح، أن لا حلّ سوى بالتوجه شرقًا وفك الارتباط مع الغرب الذي يدير الحصار ويحرّك أدواته المحليّة في سبيل تثبيت مفاعيله وتكثيفها. وكذلك يدرك الجميع أن الأمر لا يمكن أن يكون بسيطًا، رغم أنّ الأثمان المتوقّعة لن تفوق بأضرارها حجم الضرر اليومي المتفاقم.
النقاش معقّد وطويل، وسكّان لبنان اليوم ليسوا بوارد التورّط في نقاش طرح يبدو سورياليًا بالنظر إلى طبيعة التركيبة اللبنانية وعمق السلطة الغربية في المكوّن المؤسساتي المحلّي. لذلك هم ليسوا بوارد الحلم، بقدر ما هم اليوم بوارد التأمّل خيرًا بتكثير النموذج الوزاري العامل بكدّ في ظل كل العراقيل الدولية والمحلية، والمتمثّل بالوزير علي حميّة، أو على الأقل التأمل بتقليص النموذج الذي يستمزج الكسل باللامسؤولية (على أحسن تقدير) المتمثل بالوزير فراس الأبيض. الأمثلة على عمل الأول كثيرة لا تخفى على أحد، وكذلك الأمثلة على لا عمل الثاني كثيرة، ولا تخفى، لكنها لم تستدعِ حتى اللحظة حركات معترضة “ثورجية” على كسل وزارة الصحة وتفانيها في الإهمال والتقصير بحق المرضى في البلد ولا سيّما مرضى السرطان، مع التذكير بالحملات المنظمة ضد الوزير السابق الدكتور حمد حسن والتي طاولت كل نشاطه المشهود، بل طاولت حتى لون الكنبة في بيته!
يستعجل ميقاتي التأليف على صعوبة المهمّة، وكثرة “العصي في الدواليب”، واستعجاله لا يعني حكمًا أنّ الحكومة قد تتشكّل قريبًا، والأمر على أهميّته لا يشكّل همًّا بالنسبة للجمهور، لا سيّما أنّ معدل مدّة التشكيل الحكومي في لبنان خلال السنوات الأخيرة يبلغ شهورًا فقط، فمن غير المتوقّع أن تنكسر القاعدة ولا سيّما مع وجود جهات مبتهجة وتباهي بقدرتها على التعطيل، منذ لحظة صدور نتائج الانتخابات النيابية في أيار من العام الجاري.
وفي هذا الإطار، صرّح نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم أنّ “حزب الله مع تشكيل الحكومة وعدم إضاعة الوقت وعدم إنهاك التّشكيل بالشروط والشروط المُضادة، فالفرصة لا تسمح بأن يأخذ كلّ فريق مكتسبات من الحكومة. المطلوب أن نُعطي المكتسبات للمواطنين وللوطن وهذا يَفتَرض أن نُخفّف من المطالب لمصلحة تشكيل الحكومة”.
لكن بالمقابل، تصرّ أطراف كالقوات والكتائب على ممارسة اللعب وإضاعة الوقت بل على تحويل ادعائهم ذي الطابع الجعجعي “نحنا بدنا وفينا” إلى “لا بدنا ولا فينا”. أضف إلى ذلك سائر الحسابات السياسية التي أدّت إلى “شربكة” مسار التأليف منذ الاستشارات التكليفية الملزمة.
لبنان اليوم يشبه حال أفرانه تمامًا؛ القمح مفقود ومتوّفر في آن، والحلول موجودة وممنوعة في آن، والخبز، حتى الخبز الحكومي، على كفّ عفريت أحال البلاد كلّها “سوق سودا”، وقيل يسكن في عوكر.