«القوات» منبوذة والبخاري في مأزق

بعد دقائق قليلة على الإعلان عن إغلاق صناديق الاقتراع ليل الخامس عشر من أيّار الماضي، سارع رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، إلى الظهور على شاشات التلفزة المحلية والعربية، معلنًا الانتصار بحصده الأكثرية النيابية، وأخذ يضع الشروط الواحد تلو الآخر محاولًا رسم المشهد السياسي الجديد في البلد بريشة أكثريته النيابية المفترضة، فوضع فيتو على الرئيس بري، وتحدّث عن أحقية فريقه برئاسة الجمهورية، راجمًا حكومة الوحدة الوطنية بحجر أكثريته أيضًا.

كذّبت مياه أول جلسة لمجلس النواب الجديد، سمير جعجع وأكثريته المفترضة؛ فهو بدا عاجزًا عن تسويق مرشّحه غسان حاصباني، لمنصب نائب رئيس مجلس النواب، كما بدا قاصرًا عن إدارة الاختلافات والخلافات مع النواب الجدد، فلم يحصل زياد حوّاط في انتخابات أمانة سرّ مجلس النواب إلا على 38 صوتًا مقابل 65 صوتًا لمرشح التيار الوطني الحر النائب آلان عون.

كثيرة هي العبر التي يمكن استخلاصها من أول جلسة نيابية بعد انتخابات هلّلت لنتائجها «القوات» بمبالغة كبيرة. غير أن مصادر اشتغلت على خطّ الانتخابات النيابية اللبنانية الأخيرة، لديها قراءتها الخاصة، التي تقول لـ«الناشر» إنها غير بعيدة عن قراءات عواصم عربية مهتمة بنتائج الانتخابات، وأبرزها الرياض.

تقول المصادر: «المجتمع اللبناني أظهر أنه لا يتقبّل «القوات»، ولا رئيسها سمير جعجع تحديدًا»، مشدّدة على أن الظروف التي خيضت بموجبها الانتخابات الأخيرة لن تتكرّر في المستقبل، فقد تمتعت «القوات اللبنانية» بأولوية لدى القيادة السعودية، وفُتحت لها الخزائن والأبواب، وأُزيح لها سعد الحريري من الواجهة، وأُجبرت قاعدته الشعبية على التصويت لجعجع، وأُخضع لها وليد جنبلاط، وجُنّد لها الإعلام والشارع بمستقلّيه وثورييه.

وتضيف المصادر أن التيار الوطني الحر، وحزب الله وحتى حركة أمل، كانوا طوال الوقت، منذ 17 تشرين الأول 2019 مرورًا بانفجار المرفأ في 4 آب 2020، تحت ضغط الاتهام السياسي والإعلامي والشعبي، وتحت سطوة العقوبات الأميركية والمقاطعة العربية. وتجزم المصادر بأن المرحلة التي سبقت الانتخابات كانت كأنها مرسومة بريشة فنّان ماهر بهدف إضعاف خصوم «القوات» وتقوية نفوذها من أجل تأدية الدور المنوط بها بيُسر كبير، إلا أن إعادة ترتيب المسرح بكل التفاصيل هذه، بعد أربع سنوات، يبدو شبه مستحيل، فالقوات لم تكن، ولن تكون، بحالة أفضل مما كانت عليه قبل الانتخابات، وخصومها لم يكونوا، ولن يكونوا، بحال أصعب مما كانوا عليه.

عدم مقبولية القوات لدى الأطراف اللبنانية الأخرى، ليست تفصيلًا عابرًا. زاد نفور اللبنانيين من «القوات»، خصوصًا مع فترة الدلع السعودي غير المنتج وغير المبرّر. وستلعب النتائج غير الكافية، دورًا كافيًا للبعض للتعبير بصوت أعلى عن رفضه للدور القواتي، ونفوره منه. على أي حال، فقد بدأ التراشق الكلامي بين «الثوريين» و«القوات»، وبين «الاشتراكيين» و«القوات»، في إضافة إلى التراشق الدائم بين «الوطنيين» و«القوات».

مياه أول جلسة لمجلس النواب الجديد، لم تكذّب جعجع فحسب، بل وضعت السفير السعودي وليد البخاري في مأزق وموقف حرج أمام قيادته في الرياض. تقول المصادر ذاتها إن «كمية الأموال التي صرفها البخاري كانت كفيلة بأن تأتي للسعودية بالكونغرس الأميركي، وليس بمجلس النواب اللبناني فحسب»، مشيرة إلى مراجعة سريعة أجرتها الإدارة السياسية في الرياض بُعيد الإعلان عن النتائج والتي أتت بأقل مما كانت تصبو إليه، وتتوقّعه، وعزّزته تقارير البخاري الدورية. غير أن المحاولات الأخيرة التي اتخذت أشكالًا متعدّدة من الضغط والترغيب لنواب مستقلين وتغييريين وحزبيين، فشلت في إسقاط النائب إلياس بوصعب في السباق إلى منصب نائب رئيس مجلس النواب. وتقول المصادر إن النائب أسامة سعد كان هدفًا ملحًّا للبخاري، بحيث تم إغراؤه بـ«محاول تسويقه كرئيس للحكومة العتيدة»، إلا أنه أصرّ على موقفه المبدئي بالاقتراع بورقة بيضاء في استحقاقات يوم الثلاثاء الماضي.

اساسيالانتخابات النيابيةالسعوديةالقوات اللبنانيةسمير جعجعلبنان