انطلقت جولة جديدة من المفاوضات النووية في فيينا، على وقع انخفاض سقف التوقّعات حيال إمكانية الوصول إلى اتفاق جديد حول البرنامج النووي الإيراني.
وينقسم المعسكر الأميركي إلى طرفين، أحدهما يدفع باتجاه الإبقاء على العقوبات الأميركية ضدّ إيران فترة أطول مع تشديدها، ويجادل بأن هذا التكتيك سيدفع طهران إلى الاستسلام في النهاية إلى مطالب واشنطن. فيما يحاجج الطرف المقابل بأن إيران لم تستسلم تحت إستراتيجية الضغوط القصوى في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، وبالتالي فهي لن تستسلم بموجب عقوبات الرئيس الحالي جو بايدن، في حال قرّر تمديدها وتشديدها.
لا يخفي الطرف الأميركي مطالبه كحصيلة لهذه المفاوضات، وتتلخّص بالعودة الكاملة إلى اتفاق عام 2015 الأصلي، بالإضافة إلى موافقة إيرانية لمناقشة “قضايا أخرى”. هذه “القضايا الأخرى” التي ترفضها إيران بجزم، يأمل الأميركيون من ورائها إدخال البرنامج الصاروخي الباليستي الإيراني في الأساس، والملف اليمني والعراق ولبنان بشكل ثانوي، في بازار العرض والطلب وسياسة العصا والجزرة.
وقبيل استئناف المحادثات اليوم الخميس في فيينا، أعلنت الولايات المتحدة أن مبعوثها بشأن إيران روبرت مالي يعتزم المشاركة في هذه الجولة من المحادثات. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس، في مؤتمر صحفي، إن بلاده ستراقب ما إذا كانت إيران ستقدم طروحًا جدّية في الجولة الجديدة، معتبرًا أن العودة المتبادلة للامتثال للاتفاق النووي ما زالت قابلة للتطبيق.
غير أن إيران أعلنت أنها لم تتلقّ أي مقترح بنّاء للتقدّم في المفاوضات النووية، متهمة الأطراف الأوروبية بالسلبية. وقال كبير المفاوضين الإيرانيين علي باقري “نواصل انخراطنا الجدّي في المفاوضات وعازمون على التوصّل لاتفاق جيد يضمن حقوق الشعب ومصالحه”.
وقال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، في اتصال مع الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية جوزيب بوريل، إن بلاده جادّة في المفاوضات بهدف التوصّل لاتفاق جيّد، واصفًا المقترحات الإيرانية بأنها تتطابق تمامًا مع الاتفاق النووي وتفاهمات الجولات السابقة في فيينا. ورأى أن المواقف “السلبية” للدول الأوروبية غير بنّاءة، وأنها ستؤدي إلى تعقيد الوضع وإبطاء مسار التوصّل إلى الاتفاق، مضيفًا “لم نتلقّ حتى اللحظة أي مقترح بنّاء للتقدم في المفاوضات”.
وفي هذا السياق، رأت صحيفة “ليزيكو” الفرنسية أن خيارات الغرب لمنع إيران من امتلاك سلاح نووي تنفد، وأن مفاوضات فيينا تنذر بفقدان الثقة بين الأطراف المشاركة وزيادة التهديدات، وهو أمر لا تملك الدول الغربية حلًّا له، حسب وصفها. وأضافت أنه لا شيء يبدو فعّالًا في ثني إيران عن المضي قدمًا في برنامجها النووي، فهي تمتلك اليوم من المواد الانشطارية ما يجعلها قريبة جدًا من القنبلة النووية.
أما صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية فنشرت مقالًا للكاتب أفنير كوهين، جاء فيه أن رئيس الموساد ديفيد برنيع ارتكب “حماقة” بشأن أسلحة إيران النووية. ورأى الكاتب أن التصريح العلني لبرنيع بأن الموساد يضمن أن إيران لن تمتلك أسلحة نووية “أمر محرج للغاية وسخيف، لأنه ينمّ عن جهل ويفتقر إلى المصداقية”، مشيرًا إلى وجود إجماع أمني على أن انسحاب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب من الاتفاق النووي بدعم من بنيامين نتنياهو، كان “خطوة متهورة وخطأ إستراتيجيًا كبيرًا”، وأن تصريح رئيس الموساد يعدّ خطأ مشابهًا.
يوجد حاليًّا أكثر من 1500 عقوبة على إيران، والعديد من العقوبات التي فرضها ترامب لا علاقة لها بالبرنامج النووي، بل تتعلّق بما يُعرف بـ”حقوق الإنسان وسياسة طهران الإقليمية”. ولا يستطيع بايدن إنفاق رصيده السياسي والشعبي، الضئيل أساسًا، على مشروع رفع العقوبات الذي سيكون مكلفًا سياسيًا بالنسبة له، قبل أقل من عام على انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، وهو الطامع بدورة رئاسية ثانية عام 2024. في الأثناء، تقف إدارة بايدن أمام معضلة حقيقة تتعلّق بالاتفاق النووي الإيراني، فلا هي قادرة على رفع العقوبات عن إيران، لإنجاح المفاوضات، ولا هي قادرة على المضي قدمًا في سياسة التشدّد بالعقوبات التي أثبتت التجربة عدم جدواها.
الناشر – وكالات