هيئة التحرير |
لا يختلف اثنان على أننا نشهد على أكثر إشارات الانحطاط وضوحاً. ولا تقتصر هذه الإشارات على منحى دون غيره من مناحي الحياة، إن في الاقتصاد أو في الاجتماع والسياسة. غير أن الإعلام كان اللاعب الأساس في هذه اللعبة التي كُرّس لها المال والتفلّت من كل قيد أخلاقي كان أو منطقي.
ومن نافلة القول إن هذا الانحطاط عام، لا تحده حدود جغرافية على طول خريطة العالم العربي وعرضها. وزاد الاستخدام السيئ للإعلام الحديث وتقنياته من قتامة المشهد، حتى أصبحت الصورة مشوّهة الى حد كبير جداً.
فقد دخل المال السياسي بقوة الى غرف التحرير ومديريات الأخبار والبرامج السياسية. ومؤخراً، صارت برامج الترفيه أيضاً تحمل أجندات سياسية، وتخدم أهدافاً تشويهية، على المستوى الفردي والجماعي.
وفي ظل هذا الواقع، صار صاحب رأس المال وميوله الفكرية والسياسية، المتحكّم الأساسي في محتوى الرسالة الإعلامية، وغالباً ما تكون هذه الرسالة مندرجة في مخططات معسكرات إقليمية ودولية تروّج لمفاهيم مغلوطة، تقلب الحق باطلاً والباطل حقاً.
بعيداً عن الغوص في الكثير من التفاصيل والشرح، صرنا نقرأ ونسمع اليوم، وبشكل بديهي، مصطلحات ومفاهيم تمجّد التطبيع مع العدو الإسرائيلي، وتمدح الاستسلام وتصفه سلاماً. وصار القابض على وطنه وسيادته وحيداً منبوذاً موسوماً بشتّى وسوم التحقير والإذلال وصنوف نعوت التخلّف والتأخّر عن ركب التقدم والحضارة المستحدثة القائمة على فكرة وحيدة حصرية: الخضوع للأقوى.
كل هذا ولّد تشويشاً هائلاً لدى الرأي العام، بحيث سيطر التشاؤم وغابت الثقة، وانشغل الشارع بقضايا ثانوية كثيرة على حساب القضايا الهامة والكبرى، وسادت صورة نمطية عن لامهنية الإعلام، وغُيّبت الكفاءات المهنية، وشُوّهت سمعة أولئك الذين يحملون القضايا الوطنية وهمومها.
من هنا، ولدت فكرة “الناشر”، وتحمّس أصحابها لخوض تجربة مستقلة في نشأتها، حرّة في شكلها ومضمونها، أصيلة في فكرها وتطلعاتها. وفي وقت يلعب فيه المال السياسي المحرّك والدافع الأول لأي فكرة، مشروع، مبادرة، جاء “الناشر” من خارج الصندوق، متكلاً على مبادرات فردية لمجموعة من الصحافيين والإعلاميين والفنيين والتقنيين، أصحاب الخبرة والتجربة الطويلة في عالم الصحافة والإعلام بشقيه التقليدي والحديث، مستندين إلى رغبة عارمة في محاولة لإضفاء بعض الحقيقة والمهنية على مهنة كانت توصف بـ”مهنة المتاعب”، وصارت تُعرف بـ”مهنة مَن لا مهنة له”.
وفي عالم مليء بالأحداث والتطورات المتسارعة، وحيث صار للكلمة منابر كثيرة، جاءت تجربة “الناشر” لتملأ الفراغ الناتج عن الصراع بين الخبر (السكوب) والتحليل، لتلعب في الحيّز الفاصل بين ما قبل الخبر وما بعده.
يفرد “الناشر” مساحته وتبويباته للكتابة والتحليل والاستشراف، بعيداً عن لعبة تناقل الأخبار واستنساخها. وهذه دعوة لكل مَن يجد في نفسه القدرة والرغبة في أن يكون جزءًا من هذه التجربة للانضمام الى فريق “الناشر” من الصحافيين والكتّاب والمحللين المتطوعين.