لا يترك “القوّاتيون” في العادة فرصة لمحاولة التعتيم على التاريخ، تاريخهم الأسود. تارة يقاضون من يتحدّث عن ارتكاباتهم التي لم تنته ولم تُطوَ بانتهاء الحرب الأهلية لا سيّما في ملف المفقودين، وطورًا يعيدون استخدام مفردات الحرب على سبيل تصوير دورهم فيها كدور بطوليّ، علمًا أنّ دورهم فيها لم يشبه البطولة يومًا إذ اتسّم بالغدر وبالاستقواء الدمويّ على العزّل. يحاولون من خلال هذا وذاك تزوير التاريخ علانية وتبييض صفحاتهم الموشومة بدماء الأبرياء وبارود الفتنة.
في هذه المرحلة، تخطى القواتيون العبث بالتاريخ والسعي إلى تزويره أو التعتيم عليه. باتوا يعتمدون الآلية نفسها في مقاربة الواقع المشهود. وفي هذه الخانة بالضبط يصبّ البيان القواتيّ الركيك الذي جاء ردًا على نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم.
تنصّل القوّات من جريمة الطيونة، واعتبروا في بيانهم أن “القضاء العسكري” أثبت أن لا صلة لهم بما جرى. وأكثر من ذلك، يحاضرون بالعفة إلى حد اعتبار أنفسهم الحريصين على السلم الأهلي فيما يتهمون حزب الله بتهديده. تبلغ بهم الوقاحة حدّ قلب الوقائع التي شهدها الجميع دون أن يرفّ لهم جفن المصداقية و”المرجلة”، التي تفرض بأقل مستوياتها أن لا ينكر المرتكِب فعلته! فالطيونة جرح لم يلتئم بعد، بل لا يمكن أن يلتئم قبل أن تصل التحقيقات والمحاكمات فيه إلى خواتيم عادلة، تقتضي بأقل الاحتمالات الاقتصاص القانوني من المرتكبين، المنفذين وقبلهم المخطِّط للمجزرة.
وعلى سيرة “المرجلة” والمصداقية، بدا أنّ الموسم الانتخابي “لحس عقل” القواتيين عمومًا وبشكل خاص فروعهم في المجتمع المدني، وبشكل أخصّ مي شدياقهم التي خرجت إلى الناس بتغريدة لكثرة ما فيها من افتراءات ضدّ حزب الله، وجب أن تؤجلها إلى الأول من نيسان، إلّا أنّ الافتراء الذي هو عادة الضعفاء لم يعد ينتظر مواعيد ثابتة، فأصبح بحدّ ذاته موعِدًا ثابتًا للقوات مع الناس.