عطلة نهاية الأسبوع في لبنان لم تحمل جديدًا في الأحداث، إلّا أنّها شهدت تكثيفًا لأحداث الأسبوع الأخير، أو لنقل الأسابيع الأخيرة. عاد التطبيع إلى الواجهة على متن الإعلام المُستأجَر، ومعه عاد التنميط، على متن الإعلام نفسه، وإن استقلّ كلٌّ منهما حافلة مختلفة في قافلة واحدة.
بين التطبيع والتنميط، خيطٌ خفيّ. يمكن اختصار الترابط بينهما بوحدة الوجهة والمسار والأداة، فإن كان التسويق للتطبيع يهدف إلى إهداء لبنان إلى الحضن الصهيوني، فإن التنميط يهدف إلى عزل الفئة التي تعادي الصهاينة وتمنع التطبيع.
بعيدًا عن نظرية المؤامرة، وعن جهل المرتكبين أحيانًا بحقيقة ما يقومون بارتكابه، أو بمدى خطورته، لا يمكن فصل المسارات الإعلامية التي تتشابه في منبعها وفي مصبّها مهما اختلفت تركيبات مياهها وألوان محتوياتها والطرق والطرائق التي تمر بها وتعتمدها بين المنبع وبين المصب.
فلا فرق بين من يسوّق للتطبيع تحت مسمى وجهة النظر وبين من ينمّط تحت عنوان الكوميديا. واللافت أنّ كلاهما يتخذ من حرية الرأي شعارًا، ويهبّ بكلّ ما فيه من انبطاح للمموّل للهجوم على كلّ من لديه رأيٌ لا يعجبهما. على سبيل المثال، رأى البعض أنّه يحق لإعلامي مقيّد بالحطّة السعودية على مسرح برنامجه أن يدافع عن التطبيع ولا يحقّ لمناهضي الخيانة إبداء رأيهم الموضوعي بالتطبيع وبالساعين إليه. البعض نفسه رأى أنّه يحق لمهرّج تلفزيوني أن يلعب دورًا ينمّط بيئة كاملة ويسيء إليها أن يعبّر عن تفاهته، ولا يحق للمتضررين من تفاهته ومسعاه (الذي قد لا يكون شخصيًا ولا يتعدى كونه عملًا مدفوع الأجر يقوم به بغضّ النظر عن المحتوى)، ولا يحق للناقدين التلفزيونيين أن يمارسوا وظيفتهم الطبيعية بتقييم عمل المهرج وتوصيفه.
وإن كان البعض الأول المدافع عن التطبيع كوجهة نظر هو نفسه البعض المدافع عن التنميط كوجهة فنية، فيصبح من الضروري التوقف عند التلازم بين الوجهتين، والنظر قليلًا في طبيعة هذا البعض، وما يريده بالضبط.
الوجهتان المتلازمتان تريدان مكانًا واحدًا، سواء عرف أفراد وجماعات هذا “البعض” الذي يتبناهما حقيقة المكان أو غفل عنها. هذا المكان اسمه “لبنان” خالٍ من المقاومة وتأثيرها. ولا ندري، بحقّ، بأي اللغات يفهم هؤلاء استحالة تحقّق هذا المسعى. فلغة التاريخ المرصعة بقتال الصهاينة واستحالة مسالمتهم لا تُحجب حروفها، والذاكرة الناطقة بما حوَت تحدّث باستمرار عن هذه الاستحالة. لغة العقل تنفي بموضوعية احتمال أن ينزلق لبنان إلى مستنقع “السلام مع الأعداء” ولا سيّما بعد دخول زمن الانتصارات في حيّز الواقع والتجربة، ولغة الوجدان والعاطفة تؤكد أنّ من بذل الدم والأرواح في سبيل تحصين البلد من رجس الهزيمة، لن يكفّ عن البذل ولو اجتمع عليه العالم.
هو يوم الأحد. لا مستجدات إلا المزيد من انكشاف غرق خفيفي العقل والكرامة والوجدان في ماء الخيانة والتفاهة الثقيل، وإلا ثبات أهل الحق على الصراط الوطني والأخلاقي المستقيم.