دخلت الازمة مع السعودية يومها الثالث، ولم يلمس اللبنانيون اي تغيّر في حياتهم مع رحيلِ السفير السعودي وليد البخاري، سوى غياب نشاطه عن الشاشات اللبنانية. لربما من سيفتقد البخاري هم أولئك الذي تعودوا على زيارته في صالون السفارة تارة، أو في خيمتها تارة اخرى، وفق مقتضيات الحاجة. والحاجة هنا لطالما تجسدت اموالاً لتنفيذ اجندات السعودية في لبنان.
في الاعراف الدبلوماسية، تحصل أزماتٌ كهذه، الامر ليس بجديد، لكن ما كان جديدًا، هو انحياز بعض لبنان الرسمي الى جانب دولة خارجية على حساب السيادة والكرامة الوطنية.
على المستوى الشعبي، لم يتمكن البخاري، ومن خلفه السعودية، من حصد تأييدٍ شعبيٍّ واسعٍ سوى من ابو عبد واصحابه الذين تظاهروا قبل ليلتين امام السفارة السعودية، وافترشوا الارض وتكفنوا بالعلم السعودي. سوى ذلك كان الشعب اللبناني بأغلبه منحازًا الى وزير الاعلام جورج قرداحي، ليس اعجاباً به، انما رفضًا لسياسة الابتزاز التي تمارسها المملكة. حتى جماهير الاحزاب المحسوبة على السعودية، استحت أن تظهر تأييدها للسعودية على حساب بلدها.
أما في لبنان الرسمي، فلا مكان للحياء عند من يعلم جيدًا أن حياته السياسية دون السعودية لما كانت موجودة. ومن هنا يمكن الاستطراد حول الافضال السعودية على لبنان، فالسعودية فضّلت على الكثير من شخصيات واحزاب ما كان يعرف بقوى الرابع عشر من اذار بإدخالهم المعترك السياسي، وتبوّئهم مناصب ووظائف رسمية. سوى ذلك، هل يخبر من وصلتهم الاموال السعودية منذ العام ١٩٩٠ اين صرفت على الشعب اللبناني؟ اي محطة ميترو نفذت بها؟ اي محطة توليد كهرباء بنيت بالاموال السعودية؟ اي دَين رسمي دُفع عن لبنان بالاموال السعودية؟ كم قافلة مازوت أدخلت الى لبنان بتمويلٍ سعودي؟ كثيرة هي الاسئلة حول افضال السعودية على غير أتباعها، ولا اجابات عليها.
بالامس، برز موقف وزير الاعلام جورج قرداحي الذي شدد فيه على أن استقالته غير واردة. هذا الموقف جاء ليثبت وجود فريقٍ سيادي منحازٍ الى لبنان والكرامة الوطنية. ولعل موقف وزيري الخارجية عبد الله بو حبيب والاشغال علي حمية كانا الاكثر وضوحاً لموقف هذا الفريق الرافض للابتزاز الذي تمارسه السعودية. وبينما ردّ بو حبيب على سؤالٍ صحفي حول “زعل” دول الخليج قائلاً: انت لبناني؟ كانت تغريدة حمية لا تقبل التأويل والتخمين، اذ كتب على حسابه على تويتر: “السيادة الوطنية واستقلالية القرار وكرامة لبنان تسمو على كل اعتبار، فألف نعم ونعم للندية في العلاقات الدولية القائمة على الاحترام المتبادل، وألف لا ولا لإذلال وطن وشعب جُبِل على حرية الرأي والتعبير، وألف نعم ونعم لشدِّ الأحزمة وعدم الخضوع للابتزاز، فما الحياة إلاَّ وقفة عز”. هذا الموقف الذي لاقى تأييداً كبيراً على مواقع التواصل الاجتماعي، احرج وزراء الانبطاح في الحكومة، واذا كان الاغلب ما زال ملتزماً الصمت، سارع وزير الصحة فراس الابيض إلى الرد على زميله بتغريدة كتب فيها: “صحيح الحياة وقفة عز، وهي أيضًا وقفة وفاء، واقولها كلبناني اقام وعمل في المملكة لسنين، مع كامل التقدير لكل ما قدمته وتقدمه دول الخليج للبنان، من دعم واعمار ومنح، وفرص عمل”. غير ان هذا الموقف اختار الانحياز الى جانب السعودية بمقابل بلده لبنان. وقد لاقت التغريدة غضبًا كبيرًا لدى الناشطين الذين ناشدوا الوزير على مدى الشهر المنصرم لايجاد حلول لغياب ادوية السرطان والامراض المستعصية، فكان رد الناس على تغريدة الابيض بالتالي: “صام الوزير وفطر على بلحة”.
ما حصل هذين اليومين لم يكن مفاجئًا لمن يتابع السياسة في لبنان، ويعلم أنه مقسومٌ الى فريقين: فريق سياديّ منحاز لكرامة لبنان الوطنية، وآخر منحاز الى ما يريده الملك والامير واصغر سائقٍ في البلاط السعودي. هذه الدونية التي يشعر بها فريق الانبطاح ليست جديدة، تذكروا جيدًا أن هذا الفريق نفسه حجّ قبل أعوامٍ الى السفارة السعودية في بيروت، لفّ أفراده الاعلام السعودية حول رقابهم، وشجّعوا المنتخب السعودي بمواجهة منتخب بلدهم لبنان.