لا تكف السلطات السعودية عن كسر الأرقام القياسية في الجلافة والصلافة والوقاحة، ضاربة عرض الحائط بكل مبادئ الدبلوماسية، ناهيك عمّا يحكى عن أواصر الصداقة والأخوّة.
لا شكّ أن السعودية تستضعف لبنان، وتستغل انهماكه في ضعفه الناتج عن عقود طويلة من فساد أهل السلطة وتبعيتهم واستزلام معظمهم. هذه الحالة جعلت كثيرًا من سياسيي لبنان ونخبه وفنّانيه زحّافين على أعتاب أصغر موظف في السفارة السعودية، فما بالك بزمرة طوال العمر في الرياض، مَن بيدهم أقفال الأغلال ومفاتيح الخزنات؟
لم تكتف السلطات السعودية بالإيعاز لمرتزقتها من فنانين وإعلاميين وذباب إلكتروني، بترهيب وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي، بسبب موقف مبدئي “لطيف” إزاء العدوان على الشعب اليمني الأعزل، إلا أنها أتبعت ذلك بقرار اعتبار مؤسسة القرض الحسن المحلية اللبنانية، إرهابية، وهو قرار غير ذي جدوى واضحة، غير الدلالة على مستوى الحقد المتقدّم الذي تتعاطى فيه مع لبنان وشعبه وقضاياه، ومستوى التبعية العمياء للسياسات العدوانية الأميركية ضد هذا البلد ومقاومته.
قد يكون مفهومًا حاجة حكّام السعودية إلى ممارسة “العنطزة” على جهة ما، خصوصًا أن مغامرة ولي العهد ابن سلمان في اليمن، شارفت على نهاية حزينة، بعدما مرّغ الشعب اليمني أنفه بتراب الجبهات المفتوحة على طول البلاد وعرضها، وآخرها في محافظة مأرب، التي باتت على مشارف الحرية والتحرير.
فيما تعاني السعودية من نقص حاد في الشعور بالثقة والريادة على مستوى العالم والإقليم، تتوجه إلى لبنان لتمارس “عنطزة” فارغة، تصب نتائجها في غير صالح مرتزقتها وأتباعها. فهذا سعد الحريري، وقد أفل نجمه، معتكف في منفاه الاختياري في دبي، مغلقًا خلفه بيت أبيه السياسي وإرثه الاقتصادي. وهذا سمير جعجع وقد غرق في دماء أهالي الطيونة، وهو اليوم يرقب نتائج مقايضة كبرى حملها البطرك الراعي تحت عباءته وجال فيها بين عين التينة والسرايا وبعبدا، في حين، لا يتجرأ سامي الجميل وغيره من وجوه الدعم الأميركي والسعودي على الخروج إلى الناس إلا تحت عناوين جمعيات المجتمع المدني.
وحدها المقاومة في هذا البلد ثابتة، لم تبدّل وجهتها ولا مواقفها، وهي منذ البداية ضد إسرائيل وكل من يعمل لمصلحتها، إن كان عربيًا أو أميركيًا أو عربيًا، وهي احترفت كسر الحصار وابتكار الحلول بعيدًا عن إذلال السفارات وخيَمها.
لا بد للسياسيين في لبنان من الكف عن طأطأة الرؤوس للدولارات والريالات والدراهم. لا بد من وقفة عزّ تقدّم مصلحة البلد وكرامته على رغبات طويل العمر والعم سام. لا بد لموقف الوزير قرداحي ووزير الخارجية عبد الله بوحبيب أن يُدعَم ويعزّز، ويصبح أول الخطوط العريضة في سياسة لبنان الخارجية، كي لا يبقى لبنان “فشّة خلق” حكّام السعودية المراهقين والفاشلين وغيرهم.