القضاء في الميزان

“العدل أساس الملك”، عبارة اعتدنا على سماعها على ألسنة أصحاب السلطة والقضاء، وقراءتها على مداخل المحاكم والقاعات، لكننا، آسفين، لم نشهد تطبيقًا عمليًا لها في لبنان.

يلعب القضاء الدور الأكثر أهمية في الدول كافة على اختلافها بين متطورة ونامية. إنه الرادع الأول الذي يمنع المواطنين والمسؤولين على السواء، من انتهاك القانون والالتزام بمختلف نصوصه، معطيًا الدولة ومؤسساتها هيبة الحكم والسلطة.

أما في لبنان، فقد خسر هيبته منذ مدّة طويلة، منذ اللحظة الأولى التي تغلّبت فيها كلمة “الزعيم” على كلمة القضاء، وأجبرت الكثير من القضاة على الامتثال لأوامر السياسيين، متناسين النزاهة والشفافية والعدل. فهنا، يخضع القرار القضائي لسلطة جميع السياسيين إلا سلطة القضاء نفسه. فلبنان، المشهور بتنوّعه الطائفي، يتيح للسياسيين التدخّل العلني في جميع مناحي الحياة السياسية القضائية، من دون أدنى خجل، قد وزّع القضاة بالتساوي بين جميع الأطراف لضمان مصلحة “الطائفة” مقابل “الغطاء” و”الخط الأحمر”.

ما يزال لبنان يعاني أزمةً اقتصادية وسياسية حادّة تفاقمت مخاطرها بعد تحركات 17 تشرين 2019، وقُدرت الأموال التي أُرسلت إلى الخارج ما قبل أزمة تشرين 2019، والتي أدّت دورًا بالغًا في زيادة حدة الأزمة، بحوالي 6 مليارات دولار بحسب ما صرّح به مسؤول مالي سابق وكبير في الدولة. فهل من محاسب أو مُدان؟

مضى على انفجار مرفأ بيروت سنة وبضعة أشهر، حيث قضى نتيجة الإهمال و/أو التآمر عشرات الشهداء والجرحى، في انفجار اعتُبر من الأقوى عالميًا معادلًا بقوته انفجار حوالي 300 طن من المتفجرات، لكن أصحاب الأيادي الملطخة بالدماء ما يزالون أحرارًا طلقاء. وقد أظهر مسار التحقيق في جريمة المرفأ، حجم الفساد المستشري في القضاء اللبناني، حيث ساهمت التدخلات الأميركية بحرف مسار التحقيقات رأسًا على عقب، لتحويل المجرم إلى بريء والبريء إلى مُتّهم.

لكن، وعلى المقلب الآخر، يستطيع القضاء أن يمارس مهامه ويفرض سلطانه، ضد سكان أحد أحزمة البؤس والفقر، بحجة التعدي على “مشاع” الدولة، التي وللمفارقة حوّلت البلد كله إلى مشاع كبير ينصب فيه صاحب كل مشروع خارجي خيمة ويستقبل المبايعين، على عينك يا سلطة القانون.

اليوم، يخضع القضاء لامتحان جدّي وجديد، بإعادة تحقيقات تفجير المرفأ إلى جادّة الحق، وسوق المطلوبين على ذمّة مجزرة الطيونة إلى القضاء. هي فرصة ذهبية تحقّق هدفين: استعادة هيبة القضاء، وإنقاذ لبنان من فتنة سوداء… فهل ينجح؟

اساسيالقضاءلبنان