أوقفوا البيطار إنّكم مسؤولون

ليست المعركة التي فتحها حزب الله من بوابة المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق بيطار، موجّهة ضد القاضي بشخصه أو ضد مَن يقف خلفه من سياسيين وجهات لبنانية. لا تنفصل المعركة الضارية التي يتحضّر لها حزب الله، عن سياق ألمح إليه رئيس المجلس التنفيذي في الحزب السيّد هشام صفي الدين، قبل أيام، عن معركة إخراج الولايات المتحدة الأميركية من أجهزة الدولة، قائلاً: “إذا جاء اليوم المناسب وخضنا هذه المعركة، سيشاهد اللبنانيون شيئا آخر”.
يبدو أن أوان هذا “الشيء الآخر” قد آن اليوم ومن بوابة التحقيق الاستنسابي والمسيّس الذي يقوده بيطار بدعم وتحريض مكشوف وعلى العلن من الإدارة الأميركية في واشنطن، وليس فقط السفارة في عوكر.
يعتقد حزب الله جازماً بأن أميركا تريد إبقاء التحقيقات ضمن جدول التوظيف السياسي الأميركي لتصفية الحسابات مع المقاومة وحلفائها في لبنان، على ما أكّد عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب حسن فضل الله. لهذا، فإن التدخل الأميركي شبه اليومي في هذا الملف لم يتوقف. وعلى مستوى وزارة الخارجية، تحاول واشنطن عبر تدخّلاتها في القضية ترهيب المسؤولين اللبنانيين لمنعهم من إعادة التحقيقات إلى مسارها القانوني، في حركة علنية ومقصودة لإظهار حجم تدخلها المباشر في التحقيقات لحرفها عن مسارها الصحيح.
وأمام الانتهاك الأميركي المستمر فصولًا للسيادة اللبنانية وانكشاف مستوى التدخّل للتحكّم والسيطرة على التحقيقات الجارية بانفجار المرفأ، ومع التوقعات بتصاعد المحاولات الأميركية للاستثمار بالملف على أبواب الانتخابات النيابية لفرض وصايتها على اللبنانيين، يبدو حزب الله أكثر حزمًا وتحفّزًا وهو ماض ٍفي معركته هذه.
لم يأتِ السقف العالي لخطاب الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله الأخير، منفصلًا عن سياق كامل سيسلكه الحزب فيما يتعلّق بقضية التحقيق في المرفأ. مهّد السيّد نصر الله الطربق بخطابه أمس، أمام المزيد من الخطوات ذات الصلة، قد تكون إحداها الكشف عمّا يعرّي المحقّق العدلي وارتباطاتها وخطواته، بما يؤكد تورّطه في تنفيذ أجندات خارجية لا تمت إلى كشف الحقيقة بصلة.
المسار الذي أطلقه حزب الله للتعامل مع قضية التحقيق العدلي، يلحظ عدّة مستويات منها القضائي والسياسي والشعبي، لأن الحزب ينظر إلى الملف كامتداد لمسار افتُتح غداة انطلاق أعمال المحكمة الدولة الخاصة بلبنان والتي كانت تنظر في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري. ويتزامن “التصعيد القضائي” في قضية انفجار المرفأ، مع ما نشرته وكالة “رويترز” قبل أيام نقلًا عن ممثل الادّعاء في المحكمة الدولية نورمان فاريل، عن وجود توجّه إلى إلغاء تبرئة حسن حبيب مرعي وحسين حسن عنيسي، لأن “القضاة الذين أصدروا الحكم لم يفصحوا بشكل مناسب عن الأدلة الظرفية في القضية”، ما يضع القضية برمّتها في خانة مسار متجدّد من الاستهداف المبرمج.
في الأثناء، تبدو حكومة الرئيس نجيب ميقاتي أمام امتحان صعب، وهي التي أرجأت جلستها التي كانت مقرّرة اليوم إلى موعد يحدّد لاحقاً بناءً على طلبه، في مسعى يبدو أنه لتفادي أن تتحوّل حكومته الوليدة إلى حكومة متاريس ووخطوط تماس، وهو الذي قال في تصريح سابق إن كفّ يدّ القاضي البيطار عن التحقيق في انفجار المرفأ أمر قضائي لا يتدخّل فيه. فيما الهروب من المسؤوليات، إنْ من الحكومة أو مجلس القضاء الأعلى، أو حتى من قصر بعبدا، سيدفع البلد والشارع نحو الكارثة. فالمطلوب اليوم قبل الغد إقالة البيطار… والكفّ عن اللعب بالنار.

اساسيالمحقق العدليانفجار المرفأطارق البيطار