شكّل مؤتمر أربيل للتطبيع، صدمة في الأوساط الشعبية والرسمية في العراق. ووسط رفض عارم من قبل جميع الأطياف السياسية والعشائرية، ترتسم علامات استفهام حيال الأطراف المنظمة للمؤتمر والجهات الخارجية التي تقف خلفها، والغايات من ذلك.
مصادر سياسية عراقية قالت لـ”الناشر” إن “توجّه العراق الجديد لأن يكون نقطة وصل لا تفريق، ومركز حوار الأفرقاء في المنطقة والإقليم، لا تشمل العدو الإسرائيلي بالطبع”، مشيرة إلى أن “الدستور العراقي، فضلاً عن الأعراف والتقاليد، وموقع العراق في قلب الأمة وقضاياها، يمنعان أي أحد من مجرّد التفكير في التواصل مع العدو الصهيوني، فما بالك في تطبيع العلاقات معه؟”.
وشدّدت المصادر على أن العراق “يسعى ليكون عوناً لأشقائه العرب، وعلى رأسهم الشعب الفلسطيني الذي عانى ما عاناه من الاحتلال الإسرائيلي”، ولفتت الى “التضحيات الجسام التي قدّمها الشعب العراقي في مواجهة الاحتلال والتطرّف”، مؤكدة أن “أي دعوة أو مسعى للتطبيع مع العدو الإسرائيلي لا تمثّل إلا الأشخاص الذين تورّطوا فيها، وعلى الأجهزة القضائية محاسبتهم”.
وعلى وقع الصدمة التي حلّت بالشارع العراقي، تحركت السلطات العراقية سريعاً لاعتقال ومحاسبة المسؤولين والقيّمين على المؤتمر، بحيث أصدر مجلس القضاء الأعلى في العراق مذكرات “قبض بحق المدعو وسام الحردان، إثر الدور الذي قام به في الدعوة إلى التطبيع مع اسرائيل، ومذكرة قبض بحق المدعو مثال الالوسي والموظفة في وزارة الثقافة سحر كريم الطائي، عن الجريمة نفسها”. كما ستتخذ اجراءات قانونية بحق بقية المشاركين.
المؤتمر الذي أُطلق عليه اسم “مؤتمر السلام والاسترداد”، شاركت فيه، بناء على دعوات مسبقة، شخصيات عشائرية وسياسية ناشطة في مدن شمال وغرب العراق وبغداد، إضافة إلى ناشطين في الحراك المدني العراقي، معظمهم من الشخصيات المغمورة.
ولاحقاً، قالت مصادر إعلامية متعدّد إن “المدعوين للمؤتمر تمّ إبلاغهم أنه يعقد حول حوار الأديان الإبراهيمية والدعوة إلى التقريب والسلام ونبذ الإرهاب والتطرف، من دون ذكر إسرائيل أو التطرق إلى مسألة التطبيع. لكن الحاضرين فوجئوا لاحقاً بالكلمات والبيانات التي صدرت عن المؤتمر من قبل القائمين عليه”.
ونقلت وسائل إعلامية عن مسؤول في جهاز الأمن الوطني العراقي إن “تمويل المؤتمر بالكامل وتنظيمه حصل من قبل مركز “اتصالات السلام”، ومقره نيويورك، أما رئيسه فيهودي من أصل عراقي يدعى جوزيف رود، وقد حضر المؤتمر”. ولفت إلى أنه “جرى إيقاع وخداع عدد غير قليل من الشخصيات للحضور، وهو ما يفسّر صدور أكثر من 40 بياناً لاحقاً، تضمنت الإعلان عن التبرؤ من المؤتمر والانسحاب من البيان الختامي والتوضيح بشأن المؤتمر ومخرجاته”، مؤكداً أن “تحقيقًا موسعًا يجري حاليًا في بغداد بشأن المؤتمر، فيما لم يبد مقنعًا لبغداد تبرير أربيل أنها لم تكن على اطلاع بشأن مخرجاته، بسبب وجود موافقات مسبقة لعقد المؤتمر من قبل جهاز الأسايش (الأمن الداخلي في كردستان العراق)، علمًا أن أي فندق في الإقليم لا يوافق على استضافة أي نشاط، من دون إحضار موافقة أمنية، وهو إجراء معمول به منذ فترة طويلة”.
سريعًا، تبرّأت أربيل من المؤتمر ومنظّميه، وأعلن المتحدث باسم حكومة إقليم كردستان، جوتيار عادل، أمس الأحد، أن الإقليم ملتزم بالإطار العام للسياسة الخارجية العراقية، مضيفًا أن المؤتمر التطبيعي “لم يُمثّل من قبل إقليم كردستان. إن موقف الإقليم من إسرائيل والقضية الفلسطينية مرتبط بالدستور العراقي”. بدورها، أعلنت رئاسة إقليم كردستان العراق، أن لا علم لديها بمؤتمر “السلام والاسترداد” الداعي للتطبيع مع الاحتلال، ولا بمضامين مواضيعه، مضيفة أن “ما صدر عن الاجتماع ليس تعبيرًا عن رأي أو سياسة أو موقف إقليم كردستان”. وشدّدت على أن “أي موقف أو توجه مرتبط بالسياسة الخارجية، هو من صلاحيات الحكومة الاتحادية، والإقليم ملتزم بها”.
يأتي هذا المؤتمر في لحظة حاسمة من تاريخ العراق، بحيث تعمل أطراف عربية على جرّ البلد إلى مسار التطبيع العربي الصهيوني الذي افتتح بالإمارات والبحرين بمباركة سعودية، فيما يتحضّر العراق للعودة الى الساحة العربية والدولية، بثقل تاريخه وحاضره، تمهيدًا لمستقبله. فعراق فتوى المرجع الأعلى السيّد السيستاني، التي هزمت المشروع التكفيري الأميركي – الخليجي، وعراق الحشد الشعبي البطل، لا مكان فيه للتطبيع والمطبعين.