رفضت السعودية إلا أن يكون لها “قرص” في عرس 4 آب اللبناني. كعادتها في السنوات العشر الأخيرة، تبدي السعودية الكثير من التوتر في تصريحات مسؤوليها، المتناقضة أساسًا، حيال القضايا الخارجية المتعددة، ومنها لبنان. في 4 آب 2021، لم تشأ السعودية إلا أن تضع بصمتها الدّالة على تورّط جماعتها في لبنان، من أحزاب ومنظمات وشخصيات، في تنفيذ أجندة تراعي المصالح الخارجية على حساب لبنان وشعبه.
أتحفنا وزير الخارجية السعودية فيصل بن فرحان، بتغريدات تعكس الحقد السعودي الكبير على لبنان عامة، وعلى حزب الله بما يمثله من حالة شعبية وسياسية عارمة في البلد. غرّد ابن فرحان محرّضًا اللبنانيين ضد حزب الله. قال إن “إصرار حزب الله على فرض هيمنته سبب رئيس لمشاكل لبنان”، وفي ما يشبه أمر العمليات، حثّ ابن فرحان “السياسيين اللبنانيين على مواجهة سلوك الحزب”.
تصريح رأس الدبلوماسية السعودية هذا، لا يأتي منفصلًا عن سلسلة طويلة من العمل الذي تؤديه السعودية على الساحة اللبنانية، أقله منذ الدخول بعنف على المشهد السياسي عبر اختطاف رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، وتواليًا حتى استبداله برئيس حزب القوات سمير جعجع، كوكيل رسمي معتمَد للسياسات السعودية في لبنان، الى جانب عدد من المنظمات المدنية والمجموعات الشعبية الأخرى، على رأسهم من أعطاهم سفير الرياض في بيروت وليد البخاري، لقب “العشائر العربية”.
كان واضحًا الأداء السعودي في الأسابيع الأخيرة، والساعي إلى تزخيم الساحة تمهيدًا لتسخينها انطلاقًا من مناسبة السنوية الأولى لانفجار المرفأ. وإذا كانت الولايات المتحدة الأميركية قد استبدلت منظمات المجتمع المدني بالدولة ومؤسساتها، فإن السعودية وجدت ضالتها بالقوات وبعض العصابات الشعبية.
وفي هذا السياق، تقول مصادر سياسية متابعة إن التعويل السعودي المباشر على القوات بأذرعها الإعلامية والحزبية المدرّبة والمجهّزة، كان واضحًا ومحل متابعة ورصد من قبل جميع حركات المجتمع المدني التي شُكّلت ونشطت منذ 17 تشرين الأول 2019 حتى اليوم. لكن عنوان المرحلة اليوم مختلف عن كل المراحل السابقة ممّا سمّي بـ”الثورة”، بحسب المصادر التي تشير الى أن المرحلة بحاجة الى عمل ميداني متدرّج من السلمي الى أعمال شغب متفرّقة وصولًا الى الأعمال الأمنية المنظمة. وتضع المصادر جريمة خلدة في هذا السياق، مشدّدة على أن الحكمة العالية التي طبعت ردّة فعل حزب الله، أفرغت المحاولة من مضمونها أولًا، وعطّلت الزخم الذي كان متوقّعًا لها في يوم الرابع من آب ثانيًا.
لا استغراب في أن يتقاسم سامي الجميّل وسمير جعجع والبطريرك الراعي أضواء الكاميرات والشاشات، وأن يُتَوّجوا نجوم الرابع من آب. فلكل منهم ارتباطاته وأهدافه ولغته ومساره، بحسب المصادر، والتي تشير أيضًا الى أن إمكانية الاستثمار في تداعيات هذا اليوم وأحداثه لا تبدو واعدة، فمجموعات كبيرة ممّا يُعرف بـ”الثوار”، والتي تأتمر بتوجيهات تيار المستقبل، يبدو أنها قد قاطعت فعاليات هذا اليوم، لأسباب مرتبطة بموقف سعد الحريري من كل من جعجع والراعي، وقد تخلّيا عنه لصالح استئثارهما بالوكالة الحصرية السعودية، وقد أعطى الحريري إشارات واضحة عندما تمنّع عن تغطية عمر غصن وعصابته المتورّطة بدماء الشهيد علي شبلي وعائلته.
وعليه، تقول المصادر إن الحِمل الآن والرهان على جعجع وفِرَقه المدرّبة والمجهّزة والمُجَرّبه، معتبرة أن دخول ابن فرحان “بالعرض” إنما يُعتبر بمثابة الضوء الأخضر للثلاثي جعجع – الراعي – الجميّل، كلّ في حقل تأثيره وهامش حركته، انطلاقًا من ذكرى الرابع من آب، والتي تمّت مصادرتها بوصفها “مناسَبة مسيحية”، ومن هذه الجزئية يُفتح باب الاستثمار واسعًا. لكن دون ذلك كله يبقى “الفقر” في الإبداع والذكاء والحنكة التي تتعاطى بموجبها القوات مع الفُرص، فقرًا لا يضاهيه إلا الفقر السعودي المماثل.