إعلام المحور في مواجهة إعلام الأضاليل والافتراءات

بإمكانيات عادية، وبمؤسسّات لم يحترف أفرادها القتال على جبهات الإعلام الجديد إلّا في سياق مبادرات شبه فردية، وبظلّ تحكّم العدو بكلّ مفاصل الإعلام الفضائي والإلكتروني، حقّق محور المقاومة إنجازات نوعية في الحرب الإعلامية التي لا يخلو يوم من معركة في سياقها، أو من هجمة تستهدف المقاومة وبيئتها على مستوى التفاصيل أو الخطوط العريضة.

واجهت بيئة المقاومة على امتداد المحور حملات مدفوعة سلفًا تعتمد أسلوب التضليل والتحريف والكذب المكشوف والافتراء والاتهامات عند كلّ محطّة، بل عند كل حدث مهما كان تفصيليًا وصغيرًا. وبلغ الأمر بأدوات شيا في لبنان حدّ اختراع الأحداث إذا حدث وقصّرت اليوميات المحليّة في تصنيع ما يمكن تحويره والبناء عليه من أجل استهداف المقاومة: من الحملة ضد مؤسسة القرض الحسن التي بدأت بتعليمة نُفّذت عبر تقرير إخباري، إلى اتهام حزب الله إعلاميًا بقتل أحد الناشطين مرورًا بكمّ هائل من الفقاعات “الصحفية” التي شكّلت عناوين قصص ليست في الواقع سوى بنات خيال كاتبها، من “سجون حزب الله السريّة” إلى الزجّ باسم الحزب في سياق خلاف عائلي أو “خناقة” في حيّ.

كان واضحًا منذ البداية أنّ هذه الحملات ليست سيل مصادفات مصنّعة محليًا، بل كانت علامات الاستهداف المدروس والممنهج واضحة في كلّ كذبة وفي كلّ إشاعة وفي كلّ تحليل تضليليّ وفي كلّ تقرير يحرّف الحقائق ويبثّ الافتراءات والاتهامات. بالمقابل، اعتمدت الجبهة الإعلامية المقاوِمة على سلاح الصدق بمواجهة فريق من الكاذبين المحترفين الذين اعتمدوا اسلوب تكرار الكذبة نفسها إلى الحدّ الذي يجعلها تبدو حقيقة أو واقعًا. ومن الطبيعيّ أن يتغلّب الصدق على الكذب، لكنّ ذلك لا يعني الاكتفاء بالدفاع الصادق ضد الهجوم الكاذب، فالمرحلة تقتضي تحصين الصدق فلا يجد الكذب فيه ثغرة يتسرّب منها من بوابة “كلمة حق يُراد بها باطل” أو من طريق دسّ سموم الكذب في خبر حقيقي.

المطلوب من إعلام محور المقاومة اليوم هو عمليًا رصّ الصفوف والتنسيق على أعلى المستويات في سبيل تحويل حالة الدفاع الإيجابي عن النفس، والمقاومة نفسنا، إلى حالة الهجوم المضاد الذي يكشف الكذبة من مختلف الجهات، وعبر كلّ الوسائل الأخلاقية الممكنة. والمطلوب تفعيل دور هذه الجبهة الإعلامية التي تتفاعل فيما بينها فتشكّل بنيانًا اعلاميًا متينًا يكون هو رأس الحربة في مواجهة الكاذبين والضالين على حد سواء.

من المواقع الإلكترونية إلى منصات الإعلام الإلكتروني، ومن محطات التلفزة إلى الصحف، ثمة جهد ابداعي جميل حاول القائمون عليه فعل كلّ ما بوسعهم وضمن امكانياتهم المتفاوتة والمحدودة نسبيًا إلى تظهير صورة المقاومة وناسها بالشكل الأكثر واقعية ومتانة.

إلا أن هذا الجهد والذي حقق وما زال انجازات لها تأثير ملموس في صناعة الانتصارات وفي خوض الحرب النفسية ضد العدو الصهيوني ومن خلفه، لم يعد وحده كافيًا لصناعة الخطاب الجديد حيال الأحداث المحلية والإقليمية، وتقع على عاتقه مسؤولية كبيرة هي إعادة تشكيل الجبهة الإعلامية بما يتناسب مع متطلبات المعركة. وتشكيل الجبهة يعني بشكل أو بآخر استحضار كافة عناصرها وتوزيعهم بالشكل الذي يحقق أعلى مستوى من القدرة على ردّ الكيد الإعلامي بأداة أثبتت فعاليتها دومًا هي المصداقية، وتحويل نطاق الدفاع والرد “بالمفرّق” إلى مساحة محصنّة بالتفاعل والتكامل بينها وبين الجمهور تتكفل بصدّ كل هجوم، وتهاجم وتكمن حين يلزم الأمر.

اليوم، جبهة إعلام محور المقاومة أمام تحدّ حقيقي وجذاب ولا يتطلب تحقيقه إلّا تضافر الجهود وتوزيع الأدوار واستثمار كل ما يمكن تحويله إلى مادة تساهم في تحصين الجبهة وإغنائها. اليوم جميعنا مدعوون إلى خوض هذا التحدي وليس بيننا من يقصّر أو يتراجع.

اساسيالمحوروسائل اعلام