لقلّة عدد المرات وقدَم تواريخها لم نعد نذكر متى صدر آخر مرة عن بعض المقامات والصروح الدينية تصريح أو بيان أو جملة ضد العدو الصهيوني، سواء حين احتلاله للأراضي اللبنانية أو حين عدوانه عليها بعد التحرير، أو خلال إحدى جولات عدوانه على الضفة الغربية أو قطاع غزة.
ربما امتنعوا عن ذلك لكرههم الموت وثقافته، حتى لو كان القتل على يد كيان قام على القتل والإرهاب كالكيان الإسرائيلي المؤقت، وحبًّا للحياة بكل وجوهها، ولو كان أحد وجوهها الصمت على القتل والعدوان والإرهاب.
لم تُرضِ المقاومة -ولله الحمد، وبلا جميلتهم- هذه الشخصيات والمقامات والصروح، لا حين مقاومة العدو في الجنوب اللبناني، ولا حين محاربة الإرهاب المتوثب نحو لبنان، في سورية. حتى حين حمى المقاومون مسيحيي سورية وكنائسها وأديرتها لم نسمع كلمة حب أو شكر، وإن كان المقاومون لا ينتظرون من مخلوق لا شكرًا ولا مديحًا، فانتظارهم متوجّه دائمًا نحو ما هو أعظم وأرقى.
وفي حين جاهد المقاومون بالجهد والعرق والدم وزهرة العمر دون تفرقة حين تحرير لبنان بين قرية من طائفة وأخرى من طائفة أخرى، فكل القرى قراهم وكل القرى المحتلة يجب تحريرها، وفي حين لم يفرقوا بين عميل من طائفة وعميل من أخرى، كانت هذه الشخصيات والصروح تندب العميل ابن طائفتها حين مقتله على يد المقاومين، وترسل بعض كبارها لتمثيلها في مناسبة دفن بعض كبار العملاء.
طبعًا، كل هذا من باب ثقافة الحياة وحبها، واستنكارًا لثقافة الموت لدى الآخرين.
ولأن الوقت ليس وقت شرح ثقافة الحياة وثقافة الموت ووجوههما، يكفي القول الآن، فقط، إن لبنان لطالما كان ذا وجهين، أو طريقين، أو ثقافتين، أو أي متضادَّين، أو فلنقل لبنانَين، سموهما ما شئتم، لبنان الشريف الأبي الحرّ حقًّا والسيد حقًّا والمستقلّ حقًّا ولبنان فرنسا والولايات المتحدة، ولبنان “تل أبيب”.