ما تفعله “إسرائيل” في غزة لن يحقق لها انتصارًا. والقضاء على مقومات الحياة في القطاع لن يمكنها من اقتلاع الشعب الفلسطيني من أرضه وهو الذي بات يعرف ما معنى الشتات وترك الأرض، طبعًا “إسرائيل” قادرة على تهجير أهل غزة في أرضهم لكن ذلك لن يحقق لها انتصارًا أيضًا.
الأهداف التي وضعتها “إسرائيل” غير قابلة للتحقق إن لجهة القضاء على الإمكانيات العسكرية لحماس أو لجهة تقويض سلطتها، لأن هذا المكوّن الفلسطيني ما دام موجودًا وهو سيبقى، والعالم بأسره يعرف ذلك وليس “إسرائيل” فقط، فإنه سيستطيع إعادة بناء قدراته التي فقدها في معركة عسكرية واحدة كما استطاع أن يعيدها بعد معارك خاضها بوجه الإحتلال ولن تنعدم السبل لتحقيق ذلك فالتجارب تثبت هذه الحقيقة.
يكفي أن تمعن “إسرائيل” النظر، – ومعها داعميها-، عبر شاشات التلفزة، لترى واقع الذين تقصفهم الآلة العسكرية “الإسرائيلية” في غزة، وتلك الأجيال التي تربت على اعتداءاتها، لتعرف أن استخدامها لأسلوب العنف والإجرام مهما بلغ مداه فإنه لن يستطيع كسر إرادة الشعب الفلسطيني، بل سيزيد من تعاظم الحقد في نفوس أجيالهم القادمة والتي خسرت آباء وأمهات وإخوة وأخوات وأبناء من الأطفال والشباب.
لا يمكن لأي مجموعة بشرية أن تكون قادرة على التفاعل ايجابا في المستقبل البعيد أو القريب مع من قتلها وشردها، والشواهد التاريخية لا زالت حاضرة وفي أكثر الحضارات تطورا، من الغربية الى الشرقية، فما زالت النفوس محتقنة لدى كل الجماعات التي تعرضت للعنف والاضطهاد، وحتى عند اليهود أنفسهم،.. اليسوا هم من يدعون (زورا) أنهم اضطهدوا وما زالوا يعملون على تدفيع العالم الثمن؟
إذا كانت الدعوات العالمية قائمة على مبدأ التعايش والسلام بين الشعوب فلماذا يحرم الشعب الفلسطيني من حقه في تقرير مصيره في إطار دولة حرة ذات سيادة كما كل الشعوب، في حين أن كل حر في العالم يعلم أن فلسطين أرض محتلة من قبل “الإسرائيليين” بدعم دولي.
ما يجري اليوم في غزة وعلى أرض فلسطين عموما لا سيما في الضفة الغربية لن يحقق “لإسرائيل” الأمن حتى على المدى القريب، وإن تحقق فإنه لا يمكن وصفه أبدًا “بالإنتصار” الذي يركز على محاولة إنجازه قادة الدولة العبرية أمام الجمهور “الإسرائيلي” لاعتبارات تتعلق بما يسمى “الجبهة الداخلية” وتماسك “المجتمع” العبري، في حين أن الإصرار الفلسطيني على خوض المعارك والحروب وتحمل ما يتحمله، سيرسم أمام “الإسرائيليين” أنفسهم لا سيما أجيالهم الجديدة، سؤالًا عن حقهم في هذه الأرض التي يعيشون عليها.
مخطط قادة “إسرائيل” في إحلال سلطة “فلسطينية” بديلة عن حماس في غزة تحت إشرافهم الأمني وتصريحهم بعدم رغبتهم “باحتلالها” لن ينجح، كما أنه لن يوفر لهم الأمن المنشود، ولينظروا الى تجربة محمود عباس في الضفة الغربية وما يحصل فيها من مقاومة والتي تعتبر “الجبهة الثالثة” ولعلها الأهم المفتوحة على “إسرائيل” من الداخل.
تنخبط “إسرائيل” بين فشل حملتها العسكرية في غزة، وفشل طروحاتها التي لم ترسو على بر حتى هذه اللحظة، فيما باتت مجبرة على وقف إطلاق نار تحت ذرائع متعددة في ظل عدم وجود أية حلول في الأفق ما يدعوها الى الإعلان الدائم عن أن “الحرب طويلة”..