حتى الساعة، لا بيان توضيحي ولا اعتذار صادر عن “الجامعة اللبنانية” يشرح ملابسات مشاركتها عبر وفد رسمي في فعاليات مؤتمر “إيدك دبي 2021” لطب الأسنان رغم مشاركة وحضور ونشاط وفد “إسرائيلي”! الوفد اللبناني المؤلف من رئيس الجامعة اللبنانية الدكتور فؤاد أيوب وعميد كليّة طبّ الأسنان وغيرهما لم يلحظ أنّ بالمعيار الأخلاقي أقلّه وجب تسجيل موقف من المشاركة بفعاليات مؤتمر يضمّ في من يضمّ وفدًا “اسرائيليًا”، ولم يرَ أن في عدم اتخاذ موقف الانسحاب أو تعليق المشاركة أي منحى تطبيعي، حتّى أنّه لم يستوقفه الأمر برمّته، ما أخذنا إلى حنين إلى “زمن جميل” كانت فيه شبهة التطبيع عيبًا يتحاشى كلّ فرد الوقوع فيه ولو كلّفه انسحابًا من مؤتمر أو من حفل أو من مباراة، وما يترتب على الانسحاب من خسارة مهما كبرت لا تضاهي خسارة الموقف المبدئي والوطني من أي فعالية تُطبّع علاقتها بالصهاينة.
والإنسحاب لو حدث لن يكون سابقةً في التاريخ الحديث، فلقد سُجلت العديد من الانسحابات أو التهديد بها للضغط ومنع مشاركة الوفود “الإسرائيلية” في العديد من الفعاليات ذات الطابع الدولي.
أما وقد حدث ما حدث، فالأسف مزدوج: من جهة، العتب على الجامعة اللبنانية يأتي على قدر القيمة والمحبة؛ فهذا الصرح التعليميّ ليس مجرّد محفل جامعي منفصل عن أرضه وطلّابه وقضاياهم كي يسمح لنفسه بالوقوع في شبهة التطبيع، ونقول شبهة بناء على أعلى مستويات حسن الظنّ.
لقد تخرّج من كليّات الجامعة اللبنانية شهداء من كافة الاختصاصات والفروع، وفي أروقتها وقاعاتها الآلاف من الأساتذة والطلاب والموظفين المرتبطين بالأرض وبالحقّ والمؤمنين بأن العداء مع الصهاينة عداء وجودي وأنه لا يمكن التعامل معهم في أيّ مجال من المجالات مهما كان العذر أو المبرّر.
ومن جهة ثانية، يقدّم الأكاديميون أنفسهم عادة كصفّ أوّل في جمع المثقفين، وبالتالي لا يمكن أن يكونوا قد سقطوا سهوًا في فخ مشاركة مهما جُمّلت أو بُرّرت تأخذ منحى تطبيعيًا.
من المفهوم أنّ المشاركة في المؤتمرات والمعارض الدولية تعود بالأثر الإيجابي على المشاركين فيها كوفد رسمي وعلى من يمثّله الوفد، وفي هذه الحال، ما الأثر الإيجابي الذي لأجله يستسهل أحد أن يطبّع مع عدوّه؟ حضرت الجامعة اللبنانية عبر وفدها كشخصية معنوية تمثّل لبنان في مؤتمر يضم “اسرائيل”، على أرض تطبّع معها، في ظرف تاريخي صار فيه التطبيع أكثر من أي وقت مضى خطة مدروسة بعناية يتمّ دسّها في كلّ تفصيل ذي طابع دوليّ. هل ثمّة إيجابية واحدة مهما كبر حجمها يمكن أن تغطي خطيئة بحجم التطبيع؟!
في الماضي القريب، كان الناس يرجمون معنويًا من تسوّل له نفسه القيام بأي عمل تطبيعي ولو كان جناه منه سيغنيه طيلة العمر. كان العقاب الأهلي لارتكاب مماثل هو احتقار لا يُزال من عيون الناس ومن معاني كلماتهم حين يتحدثون عن فرد شارك أو أبدى اهتمامًا بفاعلية يشارك فيها الصهاينة سواء كانت رياضية أو فنية أو ثقافية أو علمية،أما اليوم، فبكل بساطة، مرّ خبر مشاركة الجامعة اللبنانية قي مؤتمر دبي بوفد رسمي جمعه إلى سائر الوفود المشاركة ومنها الوفد “الاسرائيلي” مرورًا عاديًا، ولم ينتفض ضدّه سوى من رحم ربي من طلاب جامعيين آلمهم أن لا تسجل جامعتهم اسمها واسماءهم ضمنًا في لائحة الانسحاب المشرّف من مؤتمر يطبّع ويتعاون مع الصهاينة علانية.
المسألة قد لا تُعدّ تجاوزًا قانونيًا، إلّا أنها تُعدُّ بأحسن الأحوال خطأً جسيمًا ارتكبته ادارة الجامعة اللبنانية بحق نفسها كجامعة وطنية مؤتمنة على قضايا طلابها ومواقفهم الوطنية التي مهما اختلفت وتشعبت تبقى الغالبية العظمى فيها ذات موقف عدائي واضح تجاه الصهاينة.
“غلطة الشاطر بألف”، وغلطة الجامعة اللبنانية تقاس بالمتوقع منها كجامعة تحترم طلابها الشهداء منهم والأحياء، وتحترم أساتذتها الوطنيين وتحترم ترابها وكلّ ما يمتّ لهذا التراب بصلة.