خبران عاجلان، أو ربّما عابران، لا فرق، فبين سهولة تناقل الأخبار مهما كان مضمونها، يحدث أن يتساوى في ميزان الخبر مضمونان يقولان التالي:
١- قاعة قصر الأونيسكو غير مجهزة لوجستيًا وغير مبرّدة واحتمال تعرّض بعض النواب للإغماء بسبب الحرّ.
٢- وفاة طفل بعد انقطاع الكهرباء عن جهاز الأوكسيجين الخاص به.
إذا أمكن جمع الخبرين في مشهد واحد، سيظهر في وسط الصورة عتم شاسع، مساحة مخيفة بين ما يتجرّعه الناس من مرارة حدّ موت أطفالهم، وبين ما قد يبدو تضحية هائلة شعر بها بعض النواب بتعريض أنفسهم للجلوس في قاعة غير مكيّفة. سيبدو المشهد لئيمًا، قاسيًا حدّ الإهانة.
ما نعيشه اليوم يتخطى الرعب المعيشي. لقد أدى الإرهاب الاقتصادي إلى تنويع أشكال القتل والأذى إلى الحدّ الذي يضع فيه كل أحد نفسه في قائمة من ينتظرون الشكل الذي سيصيبهم، عند طابور “البنزين” أو في إشكال مع قطاع الطرق، أو في غرفة العناية الفائقة في مستشفى نفد مخزونها من الوقود، أو عند باب متجر احتكر ما يبدو له “سلعة” ينبغي أن تحقّق أعلى الممكن من الأرباح، ويبدو للزبون حاجة ضرورية وربما حيوية يحتاج إلى شرائها.
يمعن المشهد في الإيلام. تخوّف على النواب من الإغماء من ارتفاع درجة الحرارة في ظلّ جلد مستمر للناس الذين باتوا يبحثون في مدخراتهم ومقتنياتهم البيتية عما يُباع ليشتروا كفاف عيشهم من الخبز والماء، ويا حبذا لو مكنهم السعر من شراء بعض الخضار، أو كيس حبوب قد يكفي لطبختين.
عناد مدروس وممنهج تمارسه المنظومة حيال كلّ الحلول المطروحة بتوجيه مباشر ومكشوف من السفارة الأميركية، وتباكٍ على وضع الناس خلال الأزمة بدون التفكير ولو للحظة بالذهاب إلى الحلول رغمًا عن الأمريكي. تفعيل وقح لكل آليات ومفاعيل الحصار ورفده بآليات مبتكرة وليس الاحتكار ولعبة الدولار إلّا بعضها.
وناس، جموع خلف جدران البيوت، تلتحف الصبر وتوقن بالفرج وبينهما تتكافل وتتضامن لتجاوز الأزمة بأقل أضرار ممكنة، و”الأقل” نسبيّ طبعًا.
حسنًا، قليل من الحياء الإعلامي كان سيكفي كي لا يُسكب في جراح الناس ملح التفاهة. فسوء التجهيز اللوجستي في قاعة اجتماع وعدم تكييف حرارتها بما يتناسب مع راحة النواب خبرٌ سخيف حتى في الأيام العادية، فكيف يُقاس في أيام صار فيها سعر لقمة الخبز يعادل كلّ احتياطيّ الدمع في عيون الأمهات والأباء؟ قليل من الخجل كان سيكفي كي لا يتألم قارىء الخبر ويقارن فحواه بما يمرّ به وعليه من أوجاع ومعاناة تفوق بآلاف المرات وبحدّها الأدنى أزمة التبريد في قاعة اجتماعات.