عقود مضت لم تهتز خلالها متانة العلاقات السورية الإيرانية وصلابتها، ولم يحرك أي أحد في العالم وبأي وسيلة ممكنة قواعدها وأسسها في محاولة لزعزعتها والنيل منها.
بين دمشق وطهران ثمة جذور متينة، إرادة صلبة وأهداف سامية، ترجمتها الأيام والظروف التي عصفت بالبلدين على مدى سنوات طويلة بمواقف وتحركات ووقفات وقرارات ثابتة نابعة من صلب المبادئ الإنسانية والأخلاقية قبل أي شيء.
هذا الجوهر الذي عصفت به سنين الحرب والخراب والثورات، وبقي رغمًا عنها نقيًا صامدًا، نراه في كل ركن من أركان هذه العلاقة، ولدى كل طرف فيها، في قياداتها ومؤسساتها وشعبها، في تاريخها وحاضرها ومستقبلها، في حربها وسلامها، في ضيقها ورخائها وفي كل حال من أحوالها.
أولى الدلالات القاطعة تجسّدت في مواقف قيادات البلدين المتبادلة عند كل حدث أو ظرف، لا سيما على مستوى القيادات العليا في كليهما، يأتي في مقدمتها مواقف الإمام السيّد علي الخامنئي، التي حضرت وبقوة طيلة كل السنوات الماضية وعلى إمتداد تاريخ العلاقة بين الدولتين.
مواقف المرشد الأعلى للجمهوية الإسلامية لم تكن محدودة أو ذات سقوف، ولم تتأثر يومًا بما فرضته الدول الغربية ومنظومة الحرب الخليجية على سوريا من عقوبات، وما أصدرته من تحذيرات للجمهورية الاسلامية بسبب دعمها للحكومة السورية ووقوفها الى جانب الشعب السوري، بل أعلن السيّد الخامنئي وكرر وأكد موقف بلاده محذرًا أن “الولايات المتحدة ستتكبد الأضرار في سوريا كما في العراق وأفغانستان”.
بالإضافة إلى ذلك، فقد كان للسيّد الخامنئي رفضًا قاطعًا بأن تكون سوريا ساحة لتطبيق الأجندات الأجنبية والأميركية، وقد كان قرار الجمهورية الإيرانية في هذا الصدد حازمًا لجهة رفض إجراء مباحثات ومفاوضات مع أميركا، التي تزعم دائمًا إستعدادها لإجراء حوار مع إيران لتسوية شؤون المنطقة ككل ومنها سوريا، مؤكدًا سماحته وقوف إيران إلى جانب أي قرار تتخذه القيادة السورية دون تحفظ.
فضلًا عن ذلك، فإن للسيّد الخامنئي مواقفه الصارمة إتجاه العدوان الأميركي والإسرائيلي المتكرر على سوريا، والتي كان آخرها استهداف مطار حلب الدولي، وقد شدد في العديد من التصريحات على أن أي عدوان من هذا النوع هو إجرام ومرتكبوه لن يحققوا أي هدف لهم من خلاله.
وفي هذا الإطار، أيّد السيّد الخامنئي ودعم أي خطوة كان من شأنها تعزيز أمن سوريا وحمايتها والدفاع عنها ومنع التدخل الأجنبي في كافة شؤونها، ومن هنا جاءت مباركته لوقوف المقاومة اللبنانية، لا سيّما حزب الله، إلى جانب الجيش السوري وتصديها للهجمة الأميركية – الإرهابية على سوريا منذ عام 2011 وطيلة كل سنوات الحرب.
وفي 8 أيار 2022، زار الرئيس بشار الأسد طهران، والتقى السيّد علي الخامنئي والرئيس السيّد إبراهيم رئيسي، وأكد السيّد الخامنئي خلال اللقاء أن احترام سوريا ومكانتها الآن أعلى بكثير من السابق فهي باتت أكثر قوة، ومقاومة الشعب السوري والنظام السوري في الحرب الدولية على سوريا أساس لزيادة عزتها ومكانتها، مضيفًا أن معنوياتكم العالية هي من أهم أسباب انتصار مقاومة سوريا خلال الحرب الدولية عليها.
ومن ناحية ثانية، أدلى الرئيس الأسد خلال اللقاء بمواقف عديدة، شكر خلالها إيران شعبًا وحكومةً على مواقفها ودعمها، مؤكدًا أن “صمود إيران وثبات مواقفها في العقود الأربعة الماضية من القضايا الإقليمية، لا سيما في القضية الفلسطينية، أظهر لجميع شعوب المنطقة أن الطريق الذي تسلكه إيران هو الطريق الأصولي والصحيح”، وأضاف: “يعتقد البعض أن دعم إيران لجبهة المقاومة هو دعم بالسلاح، لكن أهم دعم ومساعدة للجمهورية الإسلامية هو بث روح المقاومة ومواصلتها”.
واليوم، ومع زيارة الرئيس الإيراني السيّد إبراهيم رئيسي الرسمية إلى سوريا، والتي تستمر ليومين، فإن الأمر يشكل دلالة واضحة وصريحة على العلاقة القوية الراسخة بين البلدين، فضلًا عن العديد من الدلالات الأخرى المهمة والمتشعبة التي تحملها الزيارة.
هذا التوافق العميق على مستوى السياسات والمبادئ والأهداف والرؤية، مهّد لاحقًا لكافة أشكال التعاون والتكاتف الأخرى بين إيران وسوريا، والتي حققت إنجازات عديدة وفي مجالات مختلفة، مستمدة قوتها وعزيمتها وإستمراريتها ونجاحها من حكمة وشجاعة وصلابة قياداتها.