هو سياسيّ الصدفة، يشبه في ذلك ميشال معوض ونديم الجميل وآخرين ممن دخلوا دنيا السياسة اللبنانية بفضل آباء سبقوهم إليها، وكالعادة لم يكن الأبناء في مستوى آبائهم.
لكن وضع سعد الحريري يختلف عن غيره من أمثاله، فإذا كان بعض هؤلاء ينتظرون دورهم ليدخلوا بعد آبائهم دنيا السياسة فهو لم يكن كذلك، وقد يمكن القول إنه أُدخل إلى هذا العالم دون أن يعرف شيئًا عنه ودون أن يكون قد فكر بالدخول إليه وربما دون إرادة منه.
وقد جمع سعد الحريري صفاتٍ عديدة يمكن القول إنها جديدة أن نعهدها في زعيم لبناني، فهو الزعيم الأول الذي تولى “الزعامة” السياسية والطائفية دون رغبة أصلية فيها، والزعيم الأول الذي دُفع إليها، والزعيم الأول الذي خسر من ماله الشخصي في العمل السياسي بينما ملأ زعماء لبنان الآخرون جيوبهم وجيوب أقاربهم ومقرّبيهم من مال الدولة والمواطنين، وما يزالون.
أيضًا، فسعد الحريري أكثر زعيم لبناني تحكم به الخارج، أو الذي ظهر عليه هذا التحكم دون أن يظهر على زعماء آخرين، لسوء حظه، ومن ذلك ما فُرض عليه من تقديم استقالته من مقر إقامته الجبرية في فندق الريتز في الرياض، ثم الفرض عليه تعليق العمل السياسي، ولعلها المرة الأولى في تاريخ العمل السياسي في العالم الذي يعلق فيه حزبٌ العمل السياسي تعليقًا.
وبعد، قد يكون سعد الحريري نموذجًا جديدًا في عالم السياسة في لبنان، نموذج السياسي الزعيم، الذي لم يفكر في أن يكون أيًّا منهما، الذي حشد خلفه طائفة كاملة، أو طائفة إلا القليل، ثم في لحظة تخلى عن زعامتها – أو فلنقل علّقها – دون رغبة منه.
يبقى أن نقول إن سعد الحريري هو السياسي اللبناني الوحيد الجدير بأن يقول صادقًا: “ما خلوني”.