ما إن شارف العام الجديد على البدء، حتى ازدحمت سماء العديد من المناطق اللبنانية بكم هائل من المفرقعات النارية والرصاص الطائش الذي بات من العادات والأعراف المتبعة في مجتمع أقل ما يقال عن مطلقي الرصاص فيه أنهم “جهلة”.
لا مكان ولا زمان محدد، ولا حتى مناسبة، فالرصاص يطلق ابتهاجا وفرحًا وحزنًا وعزاءً، وهذا السيناريو المنتشر بشكل عشوائي ومتفلت في الكثير من المناطق اللبنانية لا يقتصر على حدث معين، فهو يطلق في الخطابات السياسية للزعماء، وفي نتائج الامتحانات الرسمية وفي مراسم الأفراح والأعراس وكذلك العزاء.
الرصاص الطائش يهدد الأرواح والممتلكات
نشرت الدولية للمعلومات دراسة في سبتمبر 2021، ذكرت فيها أن معدل ضحايا الرصاص الطائش في لبنان بلغ سبعة قتلى و15 جريحًا سنويًّا، وأحصت خلالها سقوط 81 قتيلًا و169 جريحًا بين عامي 2010-2021.
هذه الإحصاءات دلالة واضحة على حجم المأساة التي يعيشها الكثير من العائلات اللبنانية، والكثير من الصعوبات والأضرار التي أصابت ذويهم، وكان سببها مواطن جاهل لم يردعه وعيه ولا ضميره ولا حتى أخلاقه عن القيام بإطلاق الرصاص الطائش، فقط لأن هذه العادة أصبحت عرفًا وإدمانًا لديه.
وبالحديث عن الأضرار والخسائر، فإن الأمر لم يقتصر فقط على الأرواح، اذ امتدت الأضرار أيضًا للممتلكات والبيوت ومؤخرًا إلى ألواح الطاقة الشمسية التي انتشرت وبكثافة في مختلف المناطق اللبنانية كحل أخير لأزمة الكهرباء التي يعاني منها اللبنانيون منذ تسلم الطبقة الحاكمة السلطة في هذا البلد.
ومع أن سلامة الأرواح تبقى الأهم في هذا الشأن، إلا أن الأمر يتعلق أيضًا بأرزاق الناس، وممتلكاتهم التي بذلوا لأجل الاستحواذ عليها الكثير من العمل والتعب والمال، لا سيما في ظل ما نعيشه حاليًا من ظروف اقتصادية واجتماعية قاسية جدًا نتيجة للأزمة التي عصفت بالبلاد. والمضحك المبكي أن مطلق النار بحد ذاته من الممكن أن يكون ضحية أيضًا لأي رصاصة طائشة، وأن يتكبد الخسائر التي كان قد تسبب بها هو أيضًا لغيره.
وتشير التقارير الإعلامية أيضًا إلى أن مجموع ما أنفقه اللبنانيون حتى منتصف العام 2022 يناهز الـ 800 مليون دولار أميركي، وهو عبارة عن استثمارات من قبل القطاع الخاص والأفراد فقط.
رغم القوانين والدعوات والحملات.. الظاهرة مستمرة
عملت العديد من الجهات طيلة السنوات الماضية، ومع ارتفاع أعداد ضحايا الرصاص الطائش في لبنان، على محاربة ومعالجة هذه الظاهرة الخطيرة، منها قيام مجلس النواب اللبناني عام 2016 بتشديد العقوبة على مطلقي النار في الهواء، من خلال القانون رقم 71/2016، الذي يجرّم إطلاق عيارات نارية في الهواء ويعاقب بالحبس من 6 أشهر إلى 3 سنوات، وتصل العقوبة إلى الأشغال الشاقة لمدة 10 سنوات ولا تتجاوز 15 سنة، وبغرامة من 20 إلى 25 ضعف الحد الأدنى للأجور (ما بين 13.5 مليون ليرة و16.8 مليون ليرة)، في حال أدّى إطلاق النار إلى الموت.
بالإضافة إلى ذلك فقد عمدت العديد من الجهات الرسمية والجمعيات والأفراد إلى القيام بعشرات الحملات والدعايات والإعلانات على مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام للحد من انتشار هذه العادة السيئة، جاء في مقدمتها الحملة التي قامت بها قوى الأمن الداخلي لعدة سنوات تحت عنوان ” بدّك تقتل؟”، إلا أن كل هذه الجهود لم تسفر عن أي تطور ولم تردع الفاعلين أبدًا.
فضلًا عن ذلك، فقد عملت العديد من الأحزاب والمنظمات عبر قادتها وكوادرها لدعوة الناس إلى الحد من استخدام السلاح وإطلاق الرصاص الطائش، إلا أن الأمور ما زالت تزداد سوءًا.
بين عام مضى وعام أتى، ما زالت فئة من الشعب اللبناني تصر على جهلها وحماقتها في ممارسة عادات قد يكون ختامها الموت المؤكد، أو الضرر الفادح، فقط لأن أحدًا من هؤلاء الخارجين عن قوانين الأخلاق والإدراك البشري أراد أن يصنع بهجةً كاذبة، لا شيء فيها سوى المأساة والضرر. ويبقى آخر دعوانا أن يمن الله على هؤلاء القوم بالوعي والبصيرة، وأن يكون للقانون دوره في تلقين هؤلاء دروسًا قاسية ليكونوا عبرة لمن يعتبر.