ساعات قليلة تفصلنا عن نهاية العام. أيام تنتهي لتبدأ معها موجة التنبؤات والتنجيم التي اعتدنا عليها في بلادنا. وككل عام، تنشغل بعض المحطات التلفزيونية اللبنانية بإعداد البرامج التافهة التي تستضيف عددًا ممن يعتبرون أنفسهم “عرّافين” ليملأوا عقول الناس بسخافة كلامهم وتنبؤاتهم الضبابية بغطاء من التحليل الكاذب المقنّع.
ولأن ثمة فئة كبيرة من الرأي العام اللبناني اعتادت – للأسف – في نهاية كل عام أن تخصص وقتها للاستماع إلى هذه البرامج، وفي الكثير من الأحيان التأثر بمحتواها وربما البناء عليه، فإنه لا بد من تسليط الضوء على مدى تفاهة وسطحية هذه البرامج بمحتواها ومقدميها والمشاركين فيها.
التنجيم على القنوات اللبنانية.. “موضة” العام
تستعد عدد من القنوات اللبنانية لاستقبال عامها الجديد عبر استضافتها لعدد من المنجمين اللبنانيين، ليتلوا على المتابعين “تنبؤاتهم” المتنوعة عن أحداث قد تقع في العام المقبل، بحكم أن لديهم طاقات وإمكانيات مختلفة عنا نحن كأناس عاديين.
لم تكن هذه الظاهرة جديدة أبدًا، بل هي نموذج مكرر نشهده كل عام على بعض القنوات التي اعتادت الاستخفاف بعقول الناس، ومؤخرًا بكرامتهم، إذ إن الاختلاف الوحيد الذي حدث على مدى كل تلك الفترة هو أن هذه الظاهرة في توسع عامًا بعد عام، والسبب في ذلك يعود إلى أمرين، الأول أن لكل من هؤلاء المنجمين “زبائنه” أي متابعيه الذين يحرصون على متابعته وتبني إلى حد ما تنبؤاته وخزعبلاته، والأمر الثاني هو الحضور الإعلامي والجماهيري الكبير الذي تعوّل عليه القنوات العارضة في محاولة لتعزيز حضورها الجماهيري والإعلامي لدى أوساط الرأي العام وتحقيق أعلى نسبة مشاهدة، معتمدة بذلك على أنماط كهذه من “الهرطقات الإعلامية”.
ومؤخرًا، بات من الملاحظ أن لكل من هذه القنوات “منجّمها الخاص”، منجّم متعدد المواهب والاختصاصات والتطلعات انطلاقًا من تنبؤاته للأبراج وصولًا إلى الأحداث التي تطال البلد والدولة والسياسة والاقتصاد وغيرها من المجالات التي تبدو جميعها ميادين لتوقعاته.
هل يترك اللبناني حلول أزماته في عهدة المنجمين؟
تراكمت الأزمات على اللبنانيين في الآونة الأخيرة بوتيرة لم تكن من قبل، الأمر الذي جعل هذه التراكمات مادة دسمة لأصحاب التوقعات ليتوسعوا بشعوذاتهم وتصريحاتهم وبالتالي ليقوموا بحشو أدمغة متابعيهم بالمزيد من الكلام الفارغ.
أمام هذا المشهد، يترك الكثير من اللبنانيين الواقعين تحت رحمة هذه الظروف الحل لأزماتهم إلى هؤلاء العرافين، يتسمرون أمام شاشات التلفزة في ليلة رأس السنة تاركين عقولهم لمثل هؤلاء، أملًا منهم بأن يتلو أحدهم توقعات جيدة تنعش أحوالهم الخاصة وأحوال هذا البلد.
المشكلة الحقيقية هنا لا تكمن باستخفاف هؤلاء المنجمين بعقول الناس ولا بإصغاء الناس لهم وحسب، بل بأن وعي الناس الحقيقي وإدراكهم ينحرف عن المسار الصحيح الذي يجب أن يوجه إليه، عن واقعهم وحياتهم وكرامة عيشهم، عن فكرهم وثقافتهم، عن مبادئهم وقيمهم، وهذا الحال لا يزيد الأمور إلا سوءًا، والواقع تعاسةً، إذ كيف لأمة أعارت المنجمين عقولها أن ترسم طريق خلاصها من تعاستها وشقائها وأن تبني مستقبلًا قائمًا على التنجيم والشعوذة؟