نشر التفاهة سمة الإعلام المعاصر

محمود موالدي* – خاص الناشر |

بعد الفشل المتتالي للإعلام الممول وسقطاته المهنية، من جديد يسقط في متاهات الأخلاق، فباسم الحرية وبروز الاختلاف ينغمس بوتيرة الصرع المريب في دوائر الرذيلة والتفاهة المقنعة. إنه تقليد متواتر للأقلام المأجورة دون الالتزام بالبعد التاريخي للمحتوى أو المنحى القيمي للمجتمعات والتقاليد والأعراف، لتبقى بوصلة ذاك الإعلام الساقط هي الدولار، لتكون الحرية الإعلامية كذبة اخترقت المجتمعات الحية وأفاضت بنتاج الغرب العفن الباحث في الغرائز والإثارة الجنسية والفراغ الدائم دون أي مضمون. فقناة الجديد التي تعمدت بماء النفط المدولر وفقدت بوصلتها المهنية والوطنية، أثبتت مرة أخرى فقدانها للتوجه الأخلاقي والقيمي. فهذه النماذج من المؤسسات الإعلامية هي مجرد أدوات رخيصة بيد الأعداء، لأن هذه القنوات محاولات عفنة لدسائس من جهة وتقويض لقيم وأخلاق الشعوب من جهة ثانية، فالبرهان في ذلك استهدافهم لبيئة محددة دون غيرها. لكن الجنوب ببيئته الثابتة وبركائز عقيدته واحتضانه للمقاومة ومشروعها التحرري أكبر بكثير من غثاء السيل العفن وما ينتجه من ظواهر آنية تافهة. وهنا علينا توضيح خصائص الإعلام الذي نريد وما نريده من رواد الإعلام النمطي أو غير النمطي. إن الأمم تعتمد وسائل متعددة لتعبر عن مكنونها المتجذر في غيائب الانشغال اليومي، فمن قال إن الشعوب تبحث عن لقمة العيش فقط، أو تبحث عن الغرائز فقط؟

يعتبر التعبير عن المكنون والمرصود من حاجات الشعوب بل هو الضرورة المطلقة لنقل المطالب ببعديها القيمي واليومي، فقد تتعدد تلك الوسائل بتوسع المعارف لتشمل فضاء الخوارزميات والذكاء الاصطناعي والمحتويات الرقمية الافتراضية (شبكات التواصل)، ناهيك عن الفن المتعدد والشعر والنثر وغيرها من إبداعات فكرية إنسانية، لكنها تبقى محسوسة بالتجريد الفطري فقط من حيث التسويق، فاللغة العصرية الشبابية تعتمد الإبهار والإبداع في التصوير، وهناك أمثلة ملموسة نواكبها من خلال هواتفنا الذكية، فإذا كان المقال المنشور بالغ الضرورة ومهمًّا وغنيًّا بالمحتوى الفكري لكنه ضعيف بالهوية البصرية المرافقة والصياغة الجاذبة يبقى محدود الانتشار، بينما المحتوى الإعلامي الساقط أو الفارغ أو حتى النمطي والمكرر إذا اعتمد أدوات الجذب فنراه سريع الانتشار ومعممًا بشكل واسع. من هذه النقطة علينا كنخب مواكبة صنوف التطور الإعلامي للتصدي والاشتباك مع التفاهة العارمة والرذيلة الفاضحة، ولنكون مقاومين بأقلامنا راسخين بالكلمة. ودمتم، وسيبقى القرار مقاومة.

*كاتب وناشط سياسي سوري

اساسي