شوقي عواضة – خاص الناشر
“أعطِني إعلاماً بلا ضمير أعطِك شعباً بلا وعي”. بتلك العبارة حدّد وزير إعلام النّازيّة جوزيف غوبلز مهمّة الإعلام المرتزق الذي يفقد وجهته ويتجرّد من مبادئه ورسالته ويتحوّل إلى أداةٍ لبثّ الفتن وهدم المجتمعات وهتك القيم الأخلاقيّة والإنسانيّة تحت عناوينَ متعدّدةٍ منها حريّة الرّأي والتّعبير وتارة باسم الدّيموقراطية التي لا نجدها عند أكثر الدّول تغنيّاً بالحرّية والدّيموقراطيّة كالولايات المتحدة الأمريكيّة التي شنّت أكبر حروبها وغزت دولنا تحت هذا العنوان فقتلت ودمّرت ونهبت ثروات شعوبنا باسم الديموقراطية التي باتت سلاحاً توجّهه ساعة تشاء في وجه أيّة دولةٍ أو مجتمعٍ حرٍّ متمرّدٍ على العبوديّة لها وفقاً لمصالحها. فالولايات المتحدة الأمريكيّة التي تقود سمفونية الحرّيات والدّيموقراطيّة لم تعزف سمفونية ديموقراطيّتها وحرّيتها في الدّول الحليفة ذات الأنظمة الدّيكتاتوريّة والتي تحوّلت إلى أداة لخدمة أهدافها مثل السّعودية التي تعجّ سجونها السّريّة والمعلنة بمعتقلي الرّأي أو في البحرين التي تتباهى بديكتاتوريّتها برعاية أمريكيّة، تلك الدّيموقراطيّة الأمريكيّة هي نفس الدّيموقراطية الغربيّة التي لا وجود لها إلّا في مخيّلة البعض والتي تتحوّل إلى ديكتاتوريّة قمعيّةٍ وداعشيّةٍ إذا خالفتها الرّأي، والشّواهد على تلك الديكتاتوريّات الغربيّة كثيرة منها ما حصل مع السّفيرة البريطانيّة في لبنان فرنسيس غاي حين رثت المرجع الإسلامي السيد محمد حسين فضل الله تحت عنوان (موت رجل شريف) مستذكرة لقاءها به ومعبّرة عن سعادتها بلقائه، حينها أسقطت حرّية الرّأي عنها وضاقت الدّيموقراطيّة البريطانيّة ذرعاً في استيعاب رأيها الذي استثار غضب الاسرائيلي وأدعياء الحرّيّة والدّيموقراطيّة في العالم فقامت وزارة الخارجية البريطانيّة بحذف الرّثاء من مدوّنة السّفيرة بعد خروج النّاطق باسم الخارجيّة البريطانيّة ليعلن أنّ ما جاء فيه (الرّثاء) يعبّر عن رأي السّفيرة الشّخصيّ ولا يمثّل السّياسة الرّسمية للحكومة البريطانيّة، لتجبر السّفيرة غاي على محو آثار الجريمة التي اقترفتها في لحظة توهّمها وإيمانها بوجود حرّية للرأي وتصرّح مجدّداً للإعلام معلنةً “إنّ وجهات نظر السّيد فضل الله لم تؤدِ سوى إلى تأجيج الانقسامات في هذا الجزء المعقّد من العالم”.
وفي نفس السّياق والمناسبة سقطت الصّحفيّة أوكتافيا نصر محرّرة شؤون الشّرق الأوسط في شبكة cnn ضحية الوهم بوجود الدّيموقراطيّة وحرّية الرّأي والتّعبير حين غرّدت على حسابها على تويتر برحيل آية الله فضل الله مبدية إعجابها به وعبّرت عن حزنها العميق لسماع نبأ وفاته ليأتي الرّدّ الدّيموقراطيّ الأمريكيّ سريعاً ومن أكبر منبر إعلاميّ أمريكيّ بطردها وفصلها من العمل دون الأخذ بعين الاعتبار السّنوات التي قضتها بخدمة الشّبكة.
أمّا هيلين توماس الصّحفية التي تعود أصولها لعائلةٍ لبنانيّةٍ وصاحبة الشّهرة الأكبر التي تصدّرت قائمة الصّحفيين الأمريكيين من خلال عملها في البيت الأبيض لستين سنة غطّت خلالها نشاطات وأخبار الرّؤساء الأميركيين من جون كينيدي إلى جورج بوش الابن فقد دفعت ثمن قولها الحقيقة أيضاً في لحظة يقظةٍ تاريخيّةٍ حين صرّحت عام 2010 واصفة زعماء الكيان الصّهيوني بأنّهم محتلّون وعليهم أن يرجعوا إلى ألمانيا أو بولندا وعليهم أن يخرجوا من فلسطين، إضافةً إلى موقفٍ آخر أعلنت فيه أنّ الصّهاينة يتحكّمون بالسّياسة الخارجيّة الأميركيّة وبوول ستريت، ليأتي الرّد من أدعياء الحرّية والدّيموقراطيّة رسميًّا على لسان المتحدث باسم البيت الأبيض واصفاً تصريحاتها بأنّها شنيعة وتثير الكراهية، ولتتصدر توماس عام 2010 لائحة الأشخاص الأكثر كراهية لإسرائيل وفقاً لمعهد سايمون فيزنتال اليهودي.
أمّا الصّحفي الأميركيّ الشّهير من أصول كوبية ريك سانشيز الذي قدّم برنامجاً على شبكة (cnn) لأكثر من 15 عاماً فقد تمّ طرده بعد اتهامه الصّريح للشّبكة بأنّها تدار من قبل شخصيّاتٍ يهوديّةٍ متعصبة.
تلك هي شواهد الدّيموقراطية الأمريكيّة والغربيّة الاستنسابيّة. أمّا في لبنان فقد يختلف مفهوم الدّيموقراطيّة وحرّية الرّأي والإعلام عن المفهوم الغربيّ والأمريكي تحديداً بل إنّ بعض وسائل الإعلام في لبنان وفي مقدّمتها قناة الجديد تقدّمت على المفاهيم الغربيّة للحريّة والدّيموقراطيّة وتبنّت ما هو أسوأ منها لتصل الأمور إلى حدّ الإساءة والتهكّم وهتك الكرامات على الشّاشة باسم الحرّية والتّعبير عن الرأي. ففي حين لم تحتمل إدارة البيت الأبيض راعية الحريات والديموقراطيات المزيفة رأي الصّحفية الأمريكيّة هيلين توماس تتيح إدارة الجديد للإعلامية السّودانية المصرية اللبنانيّة المتعدّدة الجنسيات أن تتهجّم على رئيس الجمهورية ميشال عون خلال فترة رئاسته وتبيح لها التّطاول على دولة رئيس مجلس النواب نبيه بري وأن تحاكم رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وغيرهم من الرؤساء وأن تتطاول على المقاومة وشهدائها وأن تهزأ من أمهات الجنوب برعايةٍ أمريكيّةٍ سعوديّةٍ وتصفيقٍ اسرائيليٍّ.
في لبنان فقط يتقن تحسين الخياط حياكة ثوب الحرية من اشلاء وطن يستر به عورات قناته الأمريكيّة بامتياز على أنقاض النّاس وأوجاعهم وكراماتهم دون حسيبٍ أو رقيبٍ، ويتقن حياكة الفتن وفقاً للطلب الأمريكيّ والسّعوديّ. لم يدرك تحسين الخياط أنّ الأمهات الأحرار اللواتي أنجبن مقاومين على امتداد الوطن هنّ جنوبيّاتٌ بالانتماء والشّرف، ولم يتربَّ تحسين خياط وفريقه على الحرّية ومبادئها التي رسّختها أجمل الأمهات في نفوسنا والتي تقول اسمع يا تحسين: لا تحدّثني عن الحرّية عندما تكون عبداً للمال، ليس من حقّك أن تحاضر عن حرّية التّعبير حين تكون عبداً من عبيد السّفارات. لا يحقّ لك ولا لقناتك أن ترفع راية الأحرار وأنت الأسير المكبّل بقيود العبوديّة لآل سعود وغيرهم، ليس من حقّك أن تعطي دروساً في الوطنيّة لمن عمّدوا وطنيّتهم بالدّم وأنت المرتزق على انقاض وطنٍ لا يعني لك سوى سلعة تستثمرها لتراكم ثروتك على أوجاع أبنائه والفتنة بينهم، فخذ حرّيتك بقذارتها وقدّمها لجاريتك داليا احمد فهي أولى بتطبيقها في بلادها التي لا تعرف انتماءً لها.
وقبل أن ترفع راية الثّورة للإصلاح يا تحسين عليك أن تتعفّر بتراب الجنوب الذي وشمته أحذية المقاومين لعلّك تتطهّر من فسادك الذي فاق فساد المفسدين ومن رجس الشّياطين الذي يسكنك.