يعد قطاع النقل العام في لبنان من القطاعات الأكثر أهمية وحيوية على مستوى البلاد ككل. وقد شهد هذا القطاع مشاكل وتحديات كثيرة لا سيما بعد الأزمة الاقتصادية التي شهدها لبنان منذ ثلاث سنوات، الأمر الذي جعل واقع هذا القطاع يتراجع نحو الأسوأ خلال كل هذه الفترة، كباقي القطاعات الأخرى في هذا البلد.
وفي الآونة الأخيرة، بات من الملفت وجود محاولات لإعادة إحياء هذا القطاع عبر مساع عديدة يأتي في مقدمتها جهود ومتابعات ومبادرات وزير الأشغال العامة والنقل وطاقم العمل المعني وعدد من البلديات والجمعيات.
قطاع النقل العام: واقع مرير ومترهّل
لم تكن المشاكل التي شهدها قطاع النقل العام في لبنان وتحدياته وليدة الأزمة الاقتصادية الأخيرة التي شهدها البلد، بل هي فعلًا مشاكل وجدت منذ سنوات عديدة، وتفاقمت مؤخرًا مع حلول الأزمة.
وضعت الدولة اللبنانية منذ تسعينيات القرن الماضي وحتى اليوم العديد من الخطط وأنجزت عدة دراسات لتطوير قطاع النقل في لبنان لكن للأسف بقي معظمها حبرًا على ورق. وفي أواخر التسعينيات تدهور قطاع النقل العام في لبنان للأسوأ، على مرأى الحكومات المتعاقبة حينها والتي لم تبذل أي منها جهدًا كافيًا للاستثمار فيه وتحسينه من أجل تأمين نقل مشترك يسعى لتخفيف زحمة السير وتخفيف الأعباء المالية على المواطنين.
في هذا الإطار تكثر الأسباب المسؤولة عن عدم تطبيق هذه السياسات، يأتي في مقدمتها بؤرة الفساد القائمة في السلطة منذ التسعينيات والتي تحول دون تنفيذ هذه المشاريع كما يجب، فضلًا عن عدم توفر التمويل اللازم لتنفيذها في معظم الأحيان، بالإضافة إلى المخالفات القائمة من قبل الكثير من المواطنين، وغياب المسؤولية لديهم وثقافة المرور والسير وغيرها. والجدير بالذكر هنا أن المسؤولية مشتركة، تقع على عاتق الدولة بالدرجة الأولى والمواطن بالدرجة الثانية.
ومن ناحية أخرى، وبالإضافة إلى ما ذكر، لا بد من الإشارة إلى أن عدد موظفي مصلحة السكك الحديدية والنقل المشترك يبلغ 2808 موظفين، الأمر الذي يطرح العديد من الأسئلة عن عمل ودور الكثير من هؤلاء لا سيما وأن لبنان يملك مساحة 403 كلم مخصصة لسكك حديدية لا يستفيد منها أبدًا. ففي السابق كانت هناك 3 خطوط عاملة وهي: خط الناقورة – بيروت – طرابلس مع امتداد نحو حمص في سوريا، وخط بيروت – دمشق، وخط رياق – حمص. أما اليوم فقد أصبحت البنية التحتية للسكك الحديدية غير قابلة للتشغيل، وقد تم التعدي بالبناء على أجزاء كبيرة من حرمها، مما يعني أن عددًا من هؤلاء الموظفين يتقاضون رواتب منذ سنوات كثيرة دون وجود حاجة فعلية لهم.
رغم التحديات.. محاولات لإنعاش القطاع
لم تكن الأزمات الاقتصادية التي شهدها لبنان ولا يزال، عائقًا أمام عدد من المسؤولين المؤتمنين لأداء مهاهم ودورهم ومسؤولياتهم، فرغم قلة الموارد والإمكانيات المادية المحدودة المتوفرة، إلا أنهم ما زالوا يسعون جاهدين لإنعاش هذا القطاع.
يأتي على رأس هؤلاء، وزير الأشغال العامة والنقل علي حمية الذي ومنذ تسلمه الوزارة بدأ بتنفيذ كل ما هو ممكن ومتابعة كم هائل من الملفات والعمل على إيجاد حلول ولو مؤقتة تسمح بتيسير أمور المواطنين.
وفي آخر المستجدات المتعلقة بهذا الشأن، عمدت الوزارة إلى تسيير 10 باصات للنقل العام من أصل 50 تبرعت بها الدولة الفرنسية للبنان، بدأت بالعمل في تاريخ 19 كانون الأول من هذا العام، ضمن نطاق بيروت الكبرى وضواحيها. فنقص الأموال والسائقين حال دون وضع مزيد من الباصات على الطرقات في وقت بلغت فيه تسعيرة السيارات العمومية الخاصة مستويات غير مسبوقة باتت ترهق الموظفين الذين لا يملكون سيارات ويضطرون لدفع القسم الأكبر من رواتبهم على المواصلات، وأشار الوزير إلى أن التعرفة ستكون 20.000 ل.ل فقط.
لم تكن هذه الخطوة الأولى ولن تكون الأخيرة بهذا الصدد، إذ إن محاولات إعادة الحركة والحيوية لهذا القطاع لا تزال قائمة، رغم كل ما يتعرض له من حملات وادعاءات وتهميش، وكلنا أمل أن يكون لدينا في كل وزارة رجل مسؤول مؤتمن يضع المصلحة العامة نصب عينيه، ويحاول جاهدًا إصلاح ما دمرته السلطة الفاسدة على مدى سنوات عديدة.