الجديد والبيئة: اشتباك بلا سواتر!

منذ فوضى ١٧ تشرين، تدحرجت متابعة قناة الجديد في معظم البيوت الواقعة ضمن خارطة بيئة المقاومة العابرة للمناطق اللبنانية. كشفت القناة منذ ذلك الحين آخر ما يستر وجه تبعيّتها، وصار نظم الكلام في حبّ المقاومة في بعض المقدمات لا يجد صدًى حقيقيًّا في أوساط الجمهور الذي كان يعتبرها ذات يوم شاشة “صديقة”. وأسباب ذلك لم تكن سياسية فقط، بل مرتبطة أيضًا بنوعية البرامج التي صارت تقدّمها القناة باسم الحرية، وتخصيص مساحة واسعة للمواضيع التي لا تناسب العائلات، ليس فقط المحافظة، بل حتى تلك التي لا تتشدّد في المعايير القيمية. فالتطبيع مع الشواذ على سبيل المثال والذي تبجّحت به القناة في العديد من استضافاتها ليس مقبولًا. وإن كان الجمهور غير معنيّ بتربية الآخرين، فهو مسؤول عن الحفاظ على صحة أولاده النفسية ومنع الضياع القيمي والأخلاقي من التسرّب إلى عقولهم.

في السياسة مارست القناة ضدّ بيئة المقاومة كلّ ما يمكن أن يسيء: من التضليل إلى التحريض، ومن الكذب إلى الشتم. عتب الناس في بدايات هذا الإشهار بالعداء ارتكز على ثقته بها، وعلى شعوره بالخذلان. هذه التعديات كانت مفهومة بالنسبة له حين تصدر عن mtv، التي تجاهر بالعداء دون لعب على الكلام وعلى المشاعر الوطنية. ببساطة، ما أزعج الجمهور في بيئة المقاومة ليس التعدّي بذاته، فهو معتاد عليه من جميع المؤسسات الإعلامية التي ترعاها منظومة السفارات والمصارف بالتكافل والتضامن، وإنّما أن يتمّ التعدّي عبر مؤسسة تراوغ وتلعب على الحبال كلامًا وفعلًا، وتزايد عليه حتى بانتمائه إلى دمه.

في يوم الطيونة، المجزرة التي أهدر فيها دمنا بغدر مشهود، لا زال صوت مراسلة الجديد وهي تتحدث عن “اشتباكات وتبادل لإطلاق النار” منذ طلقة القنص الأولى التي وُجّهت إلى المتظاهرين المارّة من أمام شبابيك كمن خلفها القناصون منذ الليل. ادّعت بإيعاز من الخط السياسي للمؤسسة التي وظّفتها، أن اشتباكًا يحدث ليس لاشتباه أصابها، بل لتضليل المشاهدين عن مجزرة قيد التنفيذ! كان في ذلك تبرير مسبق للقتل اللاحق. في ذلك اليوم، حتى الذين يتابعون الجديد على سبيل المعرفة بالرأي الآخر، هالهم أن يشترك هذا الرأي الآخر بالدم! فالطيّبون يغلّبون حسن الظن ويعتقدون دومًا أن الخلاف بالرأي مع وسيلة إعلامية لا يمكن أن يتحول إلى تبرير لمجزرة، لكن هذا ما حدث.

بات من المعلوم أنّنا نتعرّض لحرب إعلامية شرسة، تتعدّد أدواتها ويبقى أبرزها “التلفزيون”. وتتعدّد التلفزيونات المستخدمة فيها بتعدّد هوياتها وأساليبها ولغتها. وإن كانت المؤسسة اللبنانية للإرسال وتلفزيون المرّ أعتق من الجديد في معسكر العداء الواضح لبيئة المقاومة، فالجديد في الإشهار للعداء بعد “حبّ” كانت أشدّ ظلمًا وافتراء وجورًا، ليس لعتب في النفوس وإنّما لقدرتها على الاختراق بحكم القربى.

سيف التعرّض للأعراض لم تشهره الجديد عبثًا، والعناد في تبرير التعدي ليس مكابرة. الأمر مدروس ككلّ ما سبقه، ويهدف إلى “فحص” ردّ الفعل كي تُبنى عليه الخطة القادمة ومنهجيات الهجوم. وبما أن الجديد لم تجد من حزب الله الرسمي الردّ الذي تنتظره، مهما كانت فحواه، عمدت إلى تلبيسه ردّ فعل الناس في محاولة للقول أنّ الحزب ردّ عليها مباشرة، بل و”قرّشت” ردّ الأهالي في الخطاب السياسي وحوّلته إلى “محاولة للتغطية على حادث اليونيفيل”. إذًا، الذين حاولوا القول قبل أيام أن الحزب اعتدى على اليونيفيل وأسقط عن الأهالي شجاعتهم في صدّ تعدي اليونيفيل، أسقط عنهم اليوم حرصهم الحرّ على أعراضهم، وحاول تصويرهم وكأنّهم أدوات يحركها الحزب. وبذلك هم يسيئون للأهالي وللحزب معًا رغم علمهم أن حمية الناس لا تنتظر ايعازًا حزبيًا، وأنّ الحزب أنقى وأقوى من أن يستتر في فعل أو في ردّ فعل.

وبعد، مقاطعة الجديد في بيئتنا أمر حاصل بنسبة كبيرة. وهو شأن طوعيّ لم يفرضه أحد على أحد، ولأسباب أخلاقية قبل أن تكون سياسية. ولكنّ المقاطعة لا تعني بأي حال من الأحوال تجاهل التعديات أو غضّ النظر عن الانتهاكات التي تقوم بها القناة مع سبق الإصرار. هي معركة، نتلقى فيها كبيئة قذائف وضربات من مختلف العيارات، ونواجه في الميدان بالأدوات التي نمتلكها، كلّ بأسلوبه، وكلّ بما يجيد. هي الحرب نعم، وقد تقصم قلب المتعاطفين في بيئتنا مع “الجديد” ضمنًا أو علانية، لكن لا مجال للسكوت، ولا للهرب.

اساسيقناة الجديد