الغرب الليبرالي ودكتاتورية انتفاء الفوارق

إيلي نصر الله حدّاد* – خاص الناشر |

في عودةٍ إلى نتائج الانتخابات الرئاسيَّة الفرنسيَّة التي أفرزت تجديدًا لماكرون، نجد أنَّها أفرزت أيضًا ظاهرة جديدة عبَّر عنها ترشح الكاتب والصحافي المعروف إريك زيمور. ولمن لا يعلم، فإنَّ زيمور فرنسي يهودي من أصولٍ جزائرية قضى معظم عمره في التحذير من موت الأمَّة الفرنسيَّة، خصوصًا في كتابه “الانتحار الفرنسي”.

إريك زيمور الذي نافس مارين لوبين – المرشحة التقليدية عمَّا يُعرف باليمين الفرنسي – قضى شهورًا طويلةً يعد الفرنسيين بالعودة إلى فرنسا الغابرة، سواء عبر الوعد باعتماد سياسة “هجرة صفر” إقفالًا للحدود الفرنسية في وجه “الغزو المغاربي الإسلامي” والحيلولة دون “لبننة” فرنسا، أو عبر العمل على إعادة مظاهر هوية فرنسا الكاثوليكيَّة، حتى أنَّه أبدى رغبةً في إخفاء معابد اليهود ومساجد المسلمين. زيمور الذي تكلم عن إعادة النظر ببيروقراطيَّة أطر عمل وقوانين الإنتاج الزراعي والصناعي التي باتت كالأغلال تكبّل أذرع الإنتاج المحلي ووعد بدعم أسر الريف ذات الأغلبيَّة الفرنسيَّة الأصليَّة – غير المجنَّسة حديثًا – والذي أطلق على حزبه اسم “إعادة الفتح”، حار ودار وناور في الكثير من مضامير الفساد والإفساد في الواقع الفرنسي لكنه لم ينبس ببنت شفة بخصوص إجحاف قوانين فرنسا بحقّ الأسرة، بحقّ الأب والطفل الفرنسيَّين.

وزيمور الذي أتاح لنفسه المجاهرة بفرض تغيير الأسماء الإسلاميَّة – معللًا ذلك بسوابق تاريخية حيث قامت عائلاتٌ إيطالية بفرنَسة نفسها، اسمًا وشهرةً، والذي وعد بحظر حجاب المسلمات حتى في الأماكن العامَّة، لم يفكر بإعادة النظر في أصل قوانين الأحوال الشخصيَّة والمجتمعيَّة التي “تأنَّثت” إلى حدّ أنَّها باتت تدعو المرأة الفرنسيَّة ألف مرةٍ يوميًّا إلى الطلاق والفسخ مع ما يدرّه ذلك عليها من مبالغ ماليَّة –وليس مبلغ نفقةٍ واحدة كما يظنّ البعض – في ظل احتفاظ المرأة بالعصمة والأولاد ومقاسمة الرجل نصف ما يملك. عجبًا، كيف فاتت زيمور ظاهرة سحق العائلة الفرنسيَّة بوصفها نواة المجتمع الفرنسي؟

مثلٌ آخر عن زيف ادّعاءات ما يُعرف بالمحافظين أو اليمينيين، علنا لا ننخدع مستقبلًا: الانتخابات العامَّة الكنديَّة الأخيرة حيث تبارى مرشحو المحافظين والليبراليين في السَّير بطليعة مظاهرات المثليَّة الجنسيَّة.

كنت حاضرًا في كندا أثناء الانتخابات الأخيرة وظهر لي أنَّ الفرق بين الليبراليين والمحافظين هو خمس سنوات لا أكثر، حيث إنَّ طرح الليبراليين اليوم سيكون مقبولًا لدى المحافظين في الدورة المقبلة، فالمحافظون الذين كانوا يرفضون السَّير في مسيرات المثليَّة قبل أربع أو خمس سنوات، تراهم اليوم سياسيين وصوليين خانعين مسايرين. باختصار، المحافظون في الغرب ليبراليّون، والليبراليّون ليبراليّون.

منذ أيام، في 19 كانون الأوَّل 2022، توسَّطت بولا يعقوبيان سامي الجميل ومارك ضو ونائبًا عن القوَّات اللبنانيَّة وآخرين، لتعلن عن مشروع قانون لتوحيد الأحوال الشخصيَّة بالتعاون مع حركة “كفى”. ذكَّرني تهذيبها بتهذيبٍ مسمومٍ لطالما تجلى في سياسيين كنديين أوصلوا كندا إلى فسادٍ عظيم، فساد أصبح يتيح بتر خصيتي أطفالٍ دون سن العاشرة، وتخريب مهبل طفلةٍ وتحويلها جنسيًّا عبر زرع قضيبٍ اصطناعي لها في ما يسمّى “التحويل الجنسيّ للقصّر”.

لا تخدعنكم وجوه بولا وسامي ومارك، هؤلاء أسوأ من مجرّد خصوم، كما كل من يدعو إلى وضع العصمة الكليَّة بيد المرأة وإجبار الزوج اللبناني على تسديد الفاتورة كاملةً، تمامًا كما سدَّدها الرجل في الغرب. إنَّ قانون الأحوال الشخصيَّة الموحَّدة هذا سيكون المدماك الأوَّل في العبور إلى الانتحار اللبناني، دعونا لا ننتظر سبعين سنةٍ كي نرى زيمورًا لبنانيًّا يشرح لنا الأمر. ثمَّ احكموا بأنفسكم، هل تكفي كلمة “الخصم” لوصف من يسير بمجتمعنا نحو الانتحار؟

أليس هنالك من كلمةٍ أكثر تعبيرًا؟
من زيمور إلى لوبين، إلى ترودو وغريمته إرين اوتول، إلى سامي وبولا ومارك. تعدَّدت الوجوه والنتيجة واحدة. يا إخواني، إنَّ الاعتصام بحبل الله ليس ترفًا، ولا هو تملق من كاتب هذه السطور للإسلام والمسلمين استعانةً بهم في زمن انحلال مجتمعنا المسيحي وخفوت صوت العقل داخله، بل هو الاعتصام بحبل الإصلاح في وجه الطغيان والاستكبار. والسلام عليكم.

*كاتب لبناني

اساسي