غزا الذكاء الاصطناعي صلب حياتنا تاركًا بصمته في كل ميدان فيها، وفرض نفسه كحاجة أساسية يعتمد عليها في كل الجوانب والمجالات، حتى بات يشكل أولوية للفرد والمجتمع والحكومات.
“الذكاء الاصطناعي”، هذا المصطلح الذي يعرّف بأنه سلوك وخصائص معينة تتسم بها البرامج الحاسوبية، تجعلها تحاكي القدرات الذهنية البشرية وأنماط عملها، من أهم خصائصه القدرة على التعلم والاستنتاج ورد الفعل على أوضاع لم تبرمج في الآلة.
أثار هذا ” النظام العلمي” منذ بدايته عام 1956 جدلًا واسعًا حوله، بدءًا من التسمية التي أطلقت عليه وصولًا إلى دوره واستخداماته ومجالات عمله بعد أن بات جزءًا لا يتجزأ من حياة الإنسان ككل.
الذكاء الاصطناعي يغزو ميادين العلوم .. والفن!
يطبق الذكاء الاصطناعي حاليًّا في معظم القطاعات التنموية، من الزراعة والصناعة والصحة والتعليم وصولًا للتخطيط الحضاري. وأصبح بإمكان المزارع أن يحد من تلف منتجاته باستخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي، وبات بإمكان الجهات الصحية المسؤولة التنبؤ بتفشي الأمراض مستقبلًا، كما أصبح بالإمكان إعداد خرائط تسجيل للمدارس حول العالم.
وبالإضافة لذلك، تحاول الحكومات والشركات الاستفادة من تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي؛ من أجل التنبؤ بالكوارث الطبيعية مثل الزلازل والفيضانات والجفاف ومراقبتها، وبغية التصدي لحالات الطوارئ بفاعلية.
وفي هذا الإطار، وبناءً على تقرير أعدته شركة المحاسبة ’برايس ووترهاوس كوبرز‘، حول قيمة الذكاء الاصطناعي، فإنه ينتظر أن تكون المكاسب الاقتصادية التي يحققها الذكاء الاصطناعي في العقد المقبل منخفضةً نسبيًّا في البلدان النامية. وفقًا للتوقعات الأخيرة، سيرتفع إجمالي الناتج المحلي العالمي بنسبة 14% في عام 2030؛ نتيجةً للإقبال والتطوير السريعين للذكاء الاصطناعي، مما يعزز الاقتصاد العالمي بمقدار 15.7 تريليون دولار أمريكي.
من ناحية ثانية، لم يخترق الذكاء الاصطناعي الحياة العملية للناس والحكومات فحسب، بل طرق مؤخرًا أبواب حياتهم وتاريخهم الأدبي، ودخل عالم الفن بصورة قوية.
ونموذجًا لذلك، “ميد جيرني” هو واحد من أحدث نماذج الذكاء الاصطناعي، من نوعية ما يسمى بصورة نصية يحركها الذكاء الاصطناعي، وقد تطور بشكل كبير في الشهور الأخيرة، لتملأ الرسوم التي يصنعها “ميد جيرني” صفحات الفن العربية والعالمية على مواقع التواصل الاجتماعي وتثير دهشة الفنانين والمبرمجين، وظهر الذكاء الاصطناعي المولد للصور مع بداية الألفية. ولكن أول أشكاله تطورًا ظهر في سنة 2015 مع مشروع شركة غوغل الذي سمي بـ”الحلم العميق”.
ميزان الذكاء الاصطناعي بين كفّتي الفوائد والمخاطر
لقد وُصف الذكاء الاصطناعي بأوصاف عديدة، وصل بعضها إلى حد اعتباره العلاج الشامل لكل أمراض العالم، والمشاكل والمآسي الإنسانية على المدى القريب والبعيد، ومن ناحية أخرى وجد البعض أنه ما هو سوى مؤامرة ينفذها ناشطو الدولة العميقة. وفي كلتا الحالتين، فإن أثر الذكاء الاصطناعي ملحوظ في كل مكان، ولكن يبقى هناك الكثير الذي نجهله عن تطبيقاته العملية وإمكاناته على المدى الطويل.
لقد حول الذكاء الصناعي حياتنا إلى “حياةٍ مراقبة”، إذ يعمل هذا النظام عبر التطبيقات الخاصة به بشكل مباشر وغير مباشر على جمع بيانات عنا تُعرف باسم البيانات الضخمة تتعقب عاداتنا اليومية بدرجات متفاوتة.
ولأننا نميل إلى قضاء الكثير من الوقت على الإنترنت، فإن عاداتنا وأولوياتنا يمكن التعرف عليها بسهولة من خلال ما يسمى بالذكاء الاصطناعي الضعيف. فعلى سبيل المثال، “يستطيع برنامج خرائط جوجل تحديد الوقت الذي تسافر فيه كل يوم، وتحديد عنوان منزلك، ومكان عملك، والوقت الذي تستغرقه في التنقل، وما إذا كنت قد سلكت تحويلة ما في طريقك”. وبالطبع، من خلال الهواتف الذكية، وهي إحدى الكماليات الأساسية للحياة الحديثة، يمكن تدوين جميع أنشطتنا وتقييمها. واعتمادًا على مَنْ يمتلك البيانات، من الممكن أن نصبح جميعًا جزءًا من مجتمع مراقَب!
أما فيما يتعلق بعالم الفن، وعلاقة الذكاء الاصطناعي به، فإنه من المثير للجدل، أن الإنجازات التي حققها هذا الأخير ربما تعيد تشكيل مفاهيمنا المعتادة حول الفن والمشاهد الطبيعية لمجتمعات الفن ذات الصلة، وحتى إثارة القضايا الجدلية حول تعريف الفنون، والملكية، والقيم، والأخلاق.
ومن ناحية أخيرة، أصبح من الواضح أن الذكاء الاصطناعي قد احتل في الكثير من المهن والمراكز “الوجود الإنساني”، الأمر الذي هدد وسيهدد مستقبًلا وعلى نحو أوسع الحياة المهنية للكثير من الناس وبالتالي كل ما يرتبط بها.
لقد فرض الذكاء الاصطناعي وجوده على الحياة البشرية، بعد أن كان البشر هم من ابتكروه وطوروه إلى أن وصل إلى ما هو عليه، والحقيقة التي لا مفر منها، أن ثمة بالتأكيد أهدافًا أكثر عمقًا وتعقيدًا وربما خطرًا من تلك السطحية التي تبدو لنا، لأولئك الذين وضعوا هذا العلم وأنظمته وساروا به ولا زالوا إلى حيث هم فقط يعرفون ويدركون ويريدون.