رسالة أميركا لأوروبا: “أنا ومن بعدي الطوفان”

يواجه الاقتصاد الأوروبي اليوم أزمات اقتصاديه خانقة، بدأت معالمها تبدو أكثر وضوحًا وقسوة يومًا بعد يوم، منذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية التي كبّدت أوروبا بأجمعها خسائر كبيرة لا سيما على الصعيد الاقتصادي.

أوروبا التي كانت باتحادها القائم، تعد أعظم الاتحادات الاقتصادية في العالم، تواجه اليوم نتائج ما جنته يداها، ويد حليفتها الولايات المتحدة الأميركية التي كانت المسبب الأول لدخولها في هذا النفق المظلم الذي لم يكن بالحسبان. فعلت أميركا فعلتها وتركت أوروبا تواجه مصيرها، إلا أن حقيقة الأمور تشير إلى أن السحر أصاب الساحر والمسحور معًا.

أميركا خططت لضرب اقتصاد أوروبا.. وفعلتها!
لطالما كانت العقوبات الأميركية المفروضة على روسيا والتي أدت إلى حدوث أزمة طاقة سببًا أساسيًا في ما وصلت إليه الأحوال الاقتصادية في أوروبا، لا سيما مع ارتفاع معدلات التضخم فيها بشكل غير مسبوق، إلا أن ما زاد الأمور تعقيدًا ومأساةً هو قانون “خفض التضخم الأميركي” الذي سن مؤخرًا.
هذا القانون الذي كسرت فيه الولايات المتحدة الأميركية تحالفها الاقتصادي مع الدول الأوروبية، وسعت من خلاله إلى توجيه ضربة لروسيا عبر ضرب مواردها الطبيعية وفي مقدمتها الغاز والنفط، كان له نتائج عكسية تمامًا، إذ كان المتضرر الأول من الأمر هو الدول الأوروبية التي تعتمد على الطاقة الروسية كوسيلة للتدفئة وللتصنيع أيضًا.

وفي هذه السياق، سعت أميركا لتلبية احتياجات الدول الأوروبية من الطاقة عبر بيعها إياها بأسعار مضاعفة مقارنة مع سعر الغاز الروسي. هذه السياسة تركت تداعيات صعبة جدًا على القطاعين الصناعي والاستثماري في أوروبا، فضًلا عن الارتفاع المستمر للدولار الأميركي مقارنة مع سعر اليورو، بالإضافة إلى معدلات التضخم ومعدلات الفائدة المرتفعة.

هذه الأسباب مجتمعة، دفعت دول الاتحاد الأوروبي إلى التوجه لطلب المساعدة الأميركية “المزيفة” كوسيلة للخلاص المؤقت ريثما تكشف الأيام القادمة عن متغيرات وفرص جديدة.


أوروبا تبحث عن مخارج.. وأميركا المتخاذل الأول
وصلت المضايقات الاقتصادية في أوروبا إلى حدودها القصوى، ومعها بدأ المسؤولون الأوروبيون بمحاولة إيجاد حلول أقل عبئًا على الاقتصاد الأوروبي.

هذا الواقع دفع مثلًا المستشار الألماني” أولاف شلتس” إلى إعادة برمجة العلاقات التجارية والاقتصادية مع الصين، بينما وجه الرئيس الفرنسي “ايمانويل ماكرون” انتقادات شديدة اللهجة لقانون خفض التضخم الأميركي الذي لم يراعِ سوى مصالح الاقتصاد الأميركي غير مهتم بما يحدث في الدول الأوروبية.
ومن ناحية أخرى وفي إطار الحرب الاقتصادية القائمة بين الصين والولايات المتحدة، فإن الأخيرة كانت قد منعت الشركات الأوروبية من تصدير مواد صناعة الرقائق الى الشركات الصينية، كما سعت أميركا إلى دعم قطاع صناعة السيارات الكهربائية لديها بهدف تخفيض أسعارها مقارنة مع السيارات المنتجة أوروبيًا، الأمر الذي شكل ضربة جديدة لهذا القطاع في أوروبا.

تطول القائمة، وتطول معها الخيبات الأوروبية بفعل ما وصلت إليه الأمور نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية، والأمور اليوم باتت واضحة والسيناريوهات التي كانت قد دبّرت مسبقًا ها هي تطبق اليوم على العلن، فأوروبا التي تسرّعت في اتخاذ قرار الحرب بعد الدعم الوهمي الذي سطرته أميركا لها، وجدت نفسها “كبش محرقة” لكل ما حدث، حتى بات اقتصادها وأمنها مهدًدا، والأمل دائمًا بأن يكون ما حدث عبرة لأوروبا ومن معها بأن أميركا المتخاذلة لم ولن تكون يومًا صديقًا ولا حليفًا.

اساسي