حسين سبيتي – خاص الناشر |
لطالما كان الإعلام السّعودي أداة للتطبيل لأولياء نعمته. وهذا محمول نسبيًّا طالما أنّ في نهاية المطاف لا أحد مضطرّ لقراءة الصّحف السّعودية ومتابعة نشرات أخبارها. لكن، مع ثورة الاستثمار السّعودي في الإعلام العربيّ التّقليديّ، بحيث صار على شعوب منطقتنا أن تستيقظ كلّ يوم على شعارات رنّانة تمجّد محمّد بن سلمان وغيره من حكّام الخليج. أو كما عبّرت إحداهنّ في مقالة محلّيّة: “حيث القيادات الرّؤيوية والشّابة تستبق المستقبل بالجّرأة على الحلم والتخطيط والإصلاح، والعزم على عقد شراكة الازدهار والسّعادة مع المواطنين”.
ضجّ الإعلام في الأيّام الماضية بزيارة الرّئيس الصّيني للسّعودية. وكان على جدول أعماله لقاءات جمعته مع ولي العهد، ومع حكّام دول الخليج، ولقاء ثالث كان مع ممثّلين عن ٢٩ دولة. ولعلّ أبرز محطّات هذه الجولة كان الكلمة التّي ألقاها الرّئيس الصّينيّ في القمّة الصّينيّة الخليجيّة، ذاكراً تنوّع مجالات التّعاون بينهم، وخطّة تتعلّق بالنّفط تتراوح مدّة تنفيذها بين ٣-٥ سنوات. وقد ذكر عبارة “عالم متعدّد الأقطاب” مرتيّن في كلمته. في المقابل بدا ابن سلمان كمن يتعلّم العربيّة حديثاً ويحاول قراءة البيان الذّي كُتب له بمشهد يشبه خطابات سعد الحريري في بدايته. صوّر الإعلام العربيّ محمّد بن سلمان على أنّه الشّجاع الذّي يتحدّى أمريكا ويقيم علاقات مع الصّين. فهل فعلاً خرج ابن سلمان عن طاعة ربّه؟
إنّ العلاقة بين أمريكا والسّعودية لا يمكن تعريفها على أنّها علاقة بين دولتين وفق مصالح مشتركة. والتّعريف الأدق أنّ أصل وجود النّظام السّعوديّ هو إحدى السّياسات الأمريكيّة في منطقتنا. يعني أنّ السّعودية أداة من أدوات أمريكا تماماً كما الكيان الصهيونيّ، مع فارق الرّتبة والدّور. يعود تاريخ ربوبيّة أمريكا على السّعودية الى عام ١٩٤٦ مع انشاء الشّركة الأمريكيّة ستاندرد أويل، لاحقاً أصبح اسمها آرامكو (ذاع صيتها كثيراً في الآونة الأخيرة بفضل ضربات أنصار الله وبيانات العميد يحيى سريع). حيث كانت الشّركة الرّاعية لاستخراج النّفط من السّعودية في مقابل السّماح لهم بشراء الأسلحة الأمريكيّة وتوفير الحماية للنّظام السعوديّ. وظلّت صفقات الأسلحة مستمّرة حتّى أثناء “حظر النّفط” عام ١٩٧٣ (كان الهدف رفع سعر النّفط عالميّاً وكانت العروبة هي الشّمّاعة). لكنّ صفقات الأسلحة دائماً تكون من النّوع الذّي يفضّل الأمريكيّ إغراق مستعمراته بها، والتّي تضمن عدم التّفوق على إسرائيل. على سبيل المثال رغم التّطبيع بين الإمارات والكيان، لا يزال نظام ابن زايد عاجزاً عن اقناع امريكا ببيعه طائرات f35. ونجد لدى الدّكتور علي مراد مقالا بعنوان “آل سعود يلاحقون الحلم النووي… من سلطان إلى ابن سلمان”، يتحدّث فيه عن تاريخ المملكة بمحاولة الحصول على النووي والمنع الأمريكيّ.
غير أنّ الصّفقات كانت أغلبها على الورق تبريراً لسرقة أموال شعب شبه الجزيرة العربيّة. وفي أحسن الأحوال، كانت تلك التّي تعطي قدرة على منافسة الدّول العربيّة الأخرى كالأسلحة المستعملة في حرب السّعودية على اليمن.
يُعرّف مساعد وزير الدّفاع للشّؤون الأمنيّة الأمريكيّة السّابق جوزيف ناي العلاقة بين الصّين والولايات المتّحدة بالعلاقة ذات التناقض في إطار التّعاون والتّنافس. ويشرح في مقاله “مع الصّين… القياس على «الحرب الباردة» متثاقل وخطير”: “فمن الحماقة أن نتصّور أنّنا قادرون على فصل اقتصادنا بالكامل عن الصّين من دون تكبّد التّكاليف الباهظة. ولا ينبغي لنا أن نتوقّع من بلدان أخرى أن تفعل الشّيء نفسه، لأنّ الصّين تّعد الآن – وفقاً لبعض التّقارير – أكبر شريك تجاريّ لعدد من البلدان يفوق عدد بلدان الاتحاد الأوروبي مجتمعة”.
بحسب تقرير الجمارك الصّينية فإنّ حجم التّبادل التّجاري بين الصين وأمريكا بلغ عام ٢٠٢١ حوالي ٧٥٥ مليار دولار. وبينهم وبين الاتّحاد الأوروبيّ حوالي ٥٨٦ مليار دولار. وبحسب الرّئيس الصّينيّ شي جين بينغ، فإنّ التّبادل التّجاريّ مع الدّول العربيّة تخطّى ٣٠٠ مليار دولار. حجم التّبادل التّجاريّ بين الصّين والعالم هو أكبر بكثير من قدرة الأمريكيّ على منعه، وهذا ما قصده جوزيف ناي في مقاله، لكن بمنظورها تستطيع تنظيمه والحدّ من مخاطره عندما تضع السعّودية كواجهة للعلاقات بين الصّين والدّول العربيّة.
يصف الأمريكيّون النّظام العالميّ الحاليّ بالهرم. وتسكن في أعلاه الولايات المتّحدة وهي تدير كل شاردة وواردة بداخله. تدمّر اليابان بقنبلة نوويّة، ثمّ تسمح لها بالصّعود والتّطوّر. وعندما تشعر أنّها ستتفوق عليها في مجال التّكنولوجيا، تمنعها من ذلك وتعيدها الى النّقطة المسموح بها. تفتعل الأزمات والثّورات الملوّنة في أيّ مستعمرة حول العالم حاولت الخروج عن هيمنتها. تحاصر، تقتل، وتصنع جيشاً من المتطرّفين إذا ما اضطر الأمر. هكذا تتعامل الولايات المتّحدة مع مستعمراتها. وإذا افترضنا أنّ محمّد بن سلمان خرج فعلاً عن طاعتها أو تحدّاها، فإنّ السّعودية ستشهد انقلاباً في اليوم الآخر على ولي العهد، لكنّها حركة طبيعيّة في إطار الهرم الأمريكيّ صعوداً عندما ترضى وهبوطاً عندما تأمر.