تتجه أنظار العالم اليوم إلى مونديال قطر الذي جذب انتباه المهتمين وغير المهتمين بشؤون رياضة الطابة المستديرة، بحكم أنه المناسبة الرياضية الأكثر شعبية على مستوى العالم ككل.
ما كان لافتًا في هذه النسخة من كأس العالم لكرة القدم ، فضلًا عن إقامتها للمرة الأولى في دولة عربية، والمستوى العالي جدًا من الإعداد والتحضير والتنسيق بكل جوانبه، هو الحضور الجماهيري والإعلامي الكبير جدًا، الذي أبرز وبشكل واضح معالم “التطبيع الرياضي” مع العدو الإسرائيلي بمجرد أن سمحت الدولة المستضيفة بحضور الوسائل الإعلامية الإسرائيلية وتغطيتها المباشرة لهذا الحدث. وكان من الملفت أيضًا في هذا السياق، التصدي الكبير للجماهير العربية لهذه القنوات، ورفض نسبة كبيرة منها التحدث إليها، وإصرارهم على إظهار الهوية الفلسطينية وعلى وجه الخصوص أمام هذه الوسائل الإعلامية.
مناورات إعلامية وحملات إسرائيلية شرسة
لوحظ منذ بداية بطولة كأس العالم، الحضور الإعلامي الكبير لوسائل الإعلام الإسرائيلية، في محاولة من الكيان الصهيوني لفرض نفسه كدولة عادية حاضرة على أرض قطر، وأن باستطاعته التحرك بشكل طبيعي واعتيادي بعيدًا عن أي مواقف قد يتعرض لها، في وقت عملت الوسائل الإعلامية الإسرائيلية للحصول على تصريحات المشجعين العرب بشكل ملفت، لا سيما فئة الشباب ظنًا منها أنها ستلقى التفاعل الكبير معها والتأييد لها، إلا أن الجماهير العربية لقنتها درسًا قاسيًا.
ومن ناحية أخرى، ثمة حملة إعلامية شرسة شنها الإعلام الإسرائيلي ضد قطر قبيل ساعات من انطلاق المونديال، ورمى سيلًا من الاتهامات في مواده الإخبارية. فقد نشرت محررة قسم السياحة ميشال بن آري مينور في القناة 13 الإسرائيلية تقريرًا بعنوان “4 أسباب لعدم السفر إلى مونديال قطر”، هاجمت فيه استضافة الدولة الخليجية لكأس العالم. وهاجمت الصحيفة دولة قطر بادعاء أنها “تنتهك حقوق الإنسان، وتضطهد المرأة والمثليين، وأنها حصلت على حقوق تنظيم كأس العالم عبر صفقات مشكوك فيها، وأنها تستخدم الرياضة والإعلام لتبييض صورتها، وأنها تدعم المنظمات الإرهابية مثل حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وجماعة الإخوان المسلمين” ، وفق زعمها.
كما نشرت وسائل إعلام إسرائيلية أخرى، بينها صحيفة (يسرائيل هيوم) المقربة من الحزب الحاكم في إسرائيل وموقع (واللا) الإسرائيلي وكذلك القناة 12 الإسرائيلية، سلسلة من التقارير والرسوم المسيئة إلى قطر.
وقد ردّت السلطات القطرية بوضوح عبر سلسلة من التصريحات والمقالات وفنّدت الادعاءات والاتهامات، بينما نفت الدوحة مرات عديدة أي صلة لها بالتنظيمات الإرهابية.
الجماهير العربية بالمرصاد: صفعة قاسية للإعلام الإسرائيلي
من خلال المشاهدات اليومية والمواقف المسجلة والتصريحات المقدمة من الجماهير العربية على اختلاف جنسياتها، تأكد الإعلام الصهيوني أن كل جهوده اليائسة قد ذهبت أدراج الرياح، وأن كل محاولاته لنقل صورة مغايرة عن موقف الشعوب العربية من موضوع التطبيع والكيان الإسرائيلي ككل، هي محاولات قذرة وفاشلة، لأن ما أظهره الجمهور العربي من تضامن مع القضية الفلسطينية ومن رفض وكره للكيان الصهيوني هو رسالة واضحة وصريحة لهذا الكيان الغاصب، والأمثلة والشواهد على ذلك كثيرة وقد رواها الإسرائيلي بنفسه.
قال مقال في صحيفة “إسرائيل هيوم” الإسرائيلية بعنوان “المونديال في قطر مرآة للإسرائيليين: لا يحبوننا ولا يريدوننا أيضًا”: إنّ “المونديال في قطر وضع “إسرائيل” أمام واقعٍ وحقيقة مؤلمة جدًّا للإسرائيليين”. وأوضح أنّ الإسرائيليين “شاهدوا للمرة الأولى المتحمّسين من الخليج، وتجربة الرفض والتجاهل والكراهية وعدم قبول الإسرائيليين في بلد مسلم عربي”.
وعلّق المقال في الإعلام الإسرائيلي على رفض بعض المشجعين العرب، عندما عرفوا أنّ الصحافي الذي يستصرحهم إسرائيلي، إجراء المقابلة معه ومواجهته بأنه “لا يوجد شيء اسمه “إسرائيل”، هناك فلسطين فقط”.
بالإضافة إلى ذلك فقد صرح المقال أن ما قام به المراسلون الإسرائيليون من محاولات لإخفاء هويتهم والتنكر بجنسيات أخرى هو “أمر مخجل ” لا سيما أن الجماهير كانت تنكر أساسًا فكرة وجود كيان يسمى “إسرائيل”.
أمام هذه الوقائع، فإن المشهد الحقيقي للشعوب العربية يعكس فجوة في العروبة، واتجاهات معاكسة في المواقف اتجاه القضية الفلسطينية بين ما تظهره الأنظمة العربية من جهة وشعوبها من جهة أخرى، وبذلك فإن هاجس الكيان الصهيوني في عدم تحقيق التطبيع الفعلي لا زال قائمًا وسيظل طالما أن الأمة العربية متمسكة بمبادئها وقضيتها الأساسية المقدسة، قضية العرب أجمعين قضية فلسطين.