بعد انتخابات الكونغرس… هل يعود الزخم للمحادثات النووية؟

مع الانتهاء من فرز الأصوات في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، تنشغل الأقلام بتحليل أبعاد وتبعات الاستحقاق الأميركي على الملفات الدولية، لا سيما ملفات الشرق الأوسط، وعلى رأسها الملف النووي الإيراني. فـ “الحزب الجمهوري” تمكن من تحقيق بعض المنجزات التي مكنته من استعادة الأغلبية في مجلس النواب، وهي منجزات بقيت محدودة مع احتفاظ خصومهم “الديمقراطيين” بأغلبية مقابلة في مجلس الشيوخ. وبين من يقرأ في نتائج الانتخابات الأميركية فوزًا “جمهوريًا” لا لُبس فيه، من بوابة الظفر بمجلس النواب، الذي سيعطيهم الحق في تعطيل الأجندة التشريعية للبيت الأبيض خلال العامين المقبلين، وبين من يرى فيها انعكاسًا لنجاح الديمقراطيين في تقليص خسائرهم، وتجاوز أزمة انخفاض شعبية الرئيس جو بايدن خلال الأشهر الماضية بأقل قدر من الأضرار، وهو ما انعكس بفوزهم بأغلبية بسيطة في مجلس الشيوخ، الغرفة التشريعية المعنية بالقضايا الخارجية.

الكونغرس الجديد: بين التسهيل والتعطيل
إزاء ذلك، تحيق بعض التحديات بالأجندة الخارجية لبايدن، وبخاصة في شقها الإيراني. ورغم أن إدارة الرئيس “الديمقراطي”، عمدت إلى ممارسة الضغوط على إيران قبيل الانتخابات، سواء على خلفية المزاعم المتعلقة بتزويد إيران لموسكو بمسيّرات هجومية، أو بسبب محاولة واشنطن الرهان على الاحتجاجات داخل “الجمهورية الإسلامية” لإضعاف الموقف التفاوضي لطهران على طاولة المحادثات النووية، يتوقع خبراء في السياسة الخارجية، أن يواجه البيت الأبيض، بعد الانتخابات الأخيرة، مزيدًا من ضغوط النواب الجمهوريين، للتخلي كليًا عن تلك المحادثات لصالح استراتيجية أكثر تشدّدًا، الأمر الذي سيعقّد من جهود الإدارة الأميركية للعودة إلى اتفاق فيينا النووي، في الحد الأدنى، وربما يجعل الحل الدبلوماسي للبرنامج النووي الإيراني أمرًا بعيد المنال، في الحد الأقصى.
وفي هذا السياق، تلفت مجلة “نيوزويك” إلى مفاعيل فوز “الحزب الجمهوري” بأغلبية مقاعد مجلس النواب الجديد، موضحة أنها لن تقتصر فقط على تقييد هامش المناورة للرئيس جو بايدن على صعيد السياسات الداخلية، بل ستضع العراقيل أمام تحقيق أهداف سياسته الخارجية قبيل موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة في العام 2024. وتشرح المجلة الأميركية أن الجمهوريين سوف يدفعون باتجاه تشديد سياسة “الضغوط القصوى” التي اعتمدتها الإدارة “الجمهورية” السابقة، سواء من خلال الضغط الاقتصادي، على غرار فرض عقوبات على مبيعات النفط الإيراني إلى الصين، أو تبني خيارات أمنية وعسكرية تروّج لها شخصيات محسوبة على الفريق المتشدّد في إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، كجون بولتون، الذي شغل من مستشار الأمن القومي السابق، والذي اقترح مؤخرًا توظيف فصائل المعارضة الإيرانية المسلّحة المتمركزة داخل الأراضي العراقية في حركة الاحتجاجات في إيران، وقلب نظام الحكم فيها. وبحسب بعض التحليلات الأميركية، فإن الغالبية الجمهورية في مجلس النواب ستجعل من الصعوبة بمكان تمرير القوانين التشريعية، دون تفاهمات بين الحزبين، ما سوف يشكل صداعًا لبايدن وإدارته، وسيدفعها إلى الدخول في مقايضات مع “الجمهوريين” في السياستين الداخلية والخارجية. وعلى صعيد الملف النووي الإيراني تحديدًا، وبموجب قانون أقره الكونغرس عام 2015، يحق لمجلسي النواب والشيوخ التصويت على رفض أي اتفاق نووي مع طهران، وكسر أي قرار يتخذه الرئيس لرفع عقوبات اقتصادية عن إيران، كان قد فرضها الكونغرس في وقت سابق.

ترقّب إيراني
من هذا المنطلق، يشير الباحث في الشؤون الدولية بجامعة جورج واشنطن، سينا أزودي، إلى أن طهران تترقب بدورها مشهد ما بعد انتخابات الكونغرس، لتحديد موقفها بشأن استئناف المحادثات لإحياء اتفاق فيينا النووي، وتقدير مدى نجاعة السير بها، معتبرًا أن فوز مرشحي “الحزب الجمهوري” بأكثرية مقاعد مجلس النواب الأميركي، إضافة إلى عودة بنيامين نتنياهو، المعارض الشرس لاتفاق فيينا، والمعروف بصلاته الوثيقة بدوائر الحزب المناوئة لإيران، إلى رئاسة الحكومة في “إسرائيل”، تشكل عناصر جديدة غير مشجعة لطهران على هذا الصعيد. ومع ذلك، يشدّد على أن الكلمة النهائية في تحديد مصير الاتفاق ستبقى لإيران، التي تواتر الحديث خلال الأشهر القليلة الماضية عن طلبها رفع “الحرس الثوري الإيراني” من “قائمة الإرهاب” الأميركية، فضلًا عن إصرارها على الانتهاء من الملف النووي داخل أروقة الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

عودة نتنياهو وصقور “الحزب الجمهوري” إلى صدارة المشهد
وعن تداعيات العودة المتزامنة لكل من نتنياهو وصقور “الحزب الجمهوري” المتشددين تجاه إيران إلى صدارة المشهد السياسي في كلّ من تل أبيب، وواشنطن، لا يُخفي الرئيس التنفيذي لـ “مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات”، المؤيدة لـ “إسرائيل”، حفاوته بالحدث، معتبرًا أن الفوز الانتخابي لـ “الجمهوريين” “سيُعيد قضية إيران إلى الصدارة داخل أروقة الحكم” في الولايات المتحدة، مضيفًا أن “الجمهوريين سيبادرون إلى تقديم مشاريع قوانين متتالية لفرض عقوبات على إيران” خلال الفترة المقبلة. وبحسب صحيفة “نيويورك تايمز”، فقد يعود نتنياهو إلى التعاون مع قيادات “الحزب الجمهوري”، تحت سقف الكونغرس للجم أي خطوة دبلوماسية مقبلة قد تقدم عليها “الإدارة الديمقراطية” تجاه إيران.

بدوره، يعتبر كبير الخبراء الاستشاريين في برنامج إيران لدى “مجموعة الأزمات الدولية”، علي واعظ، أن أي إدارة أميركية، وبصرف النظر عن مآلات نتائج انتخابات الكونغرس، معنية بمعالجة المخاوف المتصلة بالبرنامج النووي الإيراني، إضافة إلى محاولة إيجاد حل لملف وجود رهائن أميركيين لدى السلطات الإيرانية، منطلقًا من تلك الاعتبارات للقول إن إدارة الرئيس بايدن “معنية بأن تبقي الباب مفتوحًا” مع طهران. ويرجّح واعظ أن يواجه نهج الدبلوماسية مع طهران من قبل إدارة بايدن “رياحًا سياسية معاكسة” بعد الانتخابات الأخيرة، موضحًا أنه “من غير المرجّح أن تتجه الإدارة للعمل على إسقاط النظام (الإيراني)، لأنها تدرك السجل الكارثي لذلك النوع من السياسات الأميركية في تلك البقعة من العالم”.

وعن خيارات “الجمهوريين” في فترة ما بعد الانتخابات النصفية، فمن المرجّح أن يطالبوا بمنح الكونغرس سلطات أوسع تتيح له مراجعة أي اتفاق مُحتمل ينبثق عن المحادثات النووية غير المباشرة بين الولايات المتحدة وإيران، أو التصويت عليه. أكثر من ذلك، قد يعمد النواب الجمهوريون، إلى التعاون مع زملائهم الديمقراطيين، لصياغة عقوبات جديدة مقترحة ضد طهران، بما يتيح للجناح المتشدّد في الحزب الجمهوري تمرير قوانين تشريعية تجعل من الصعب رفع العقوبات المفروضة على إيران، مقابل الحصول على تنازلات منها في المجال النووي، وفق موقع “ستراتفور”.

“الدبلوماسية النووية” لا تزال ممكنة: أي صيغة للاتفاق النهائي مع إيران؟
وبخصوص حظوظ إحياء اتفاق فيينا النووي، لا يستبعد موقع “المونيتور” عقد جولة محادثات غير مباشرة جديدة بين طهران، وواشنطن للبت بمصير الاتفاق في موعد قريب، مشيرًا إلى تمسّك الإيرانيين بمطالبهم المتعلقة بالحصول على ضمانات بعدم فرض عقوبات على الحكومات والشركات التي لديها تعاملات تجارية مع إيران، في حال انسحاب واشنطن من الاتفاق مجدّدًا، بالتوازي مع انفتاح غربي للبحث في المسألة. فمع انقضاء الاستحقاق الانتخابي الأميركي، يبدو التحرك باتجاه إحياء الاتفاق النووي الإيراني احتمالًا ممكنًا، وفق “المونيتور”. ويشير الموقع إلى أن العناصر المحفّزة لإعادة تفعيل الاتفاق النووي “متوفرة بقوّة”، بما يفسح المجال أمام إمكانية رفع العقوبات المفروضة على قطاع البنوك، والطاقة في إيران، فضلًا عن الإفراج عن أصول بمليارات الدولارات من الحسابات الإيرانية، مقابل عودة إيران إلى التزاماتها النووية بمقتضى اتفاق فيينا.

فمن ناحية واشنطن والعواصم الغربية، ترتبط تلك المحفّزات بواقع الحرب في أوكرانيا، وتداعياتها على قطاع الطاقة العالمي، ذلك أن تطبيع العلاقات مع طهران سيعني ضخ كميات إضافية من النفط في السوق العالمية، تتراوح بين مليون ومليون ونصف مليون برميل يوميًا، بعد القرار الأخير لمنتدى “أوبك+” بخفض الإنتاج بنحو مليوني برميل يوميًا. كما أن تطبيع العلاقات الغربية الإيرانية سيعني إتاحة الفرصة للكثير من الشركات الغربية لتطوير التعاون مع طهران في قطاع النفط والغاز.

وعلى المقلب الإيراني، يلمّح “المونيتور” إلى وجود رغبة لإحياء “خطة العمل المشتركة”، انطلاقًا من ملامسة معدلات التضخم في إيران حدود 50 في المئة، وفي ظل تقديرات اقتصادية بأن يسهم الأمر في رفع من نسب النمو المتوقعة للاقتصاد الإيراني بست نقاط، وتخفّض معدلات البطالة بمقدار نقطتين. ويلفت الموقع إلى أن اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين لبنان، و”إسرائيل” في الأسابيع الماضية “تحمل مؤشرات بشأن استعداد الحكومة الإيرانية للتوصل إلى تفاهمات مع الغرب، بشأن الاتفاق النووي إذا ما توافرت الشروط والضمانات المناسبة. ويشدّد الموقع على وجود انعكاسات إقليمية محتملة للاتفاقية البحرية، بالنظر إلى أن طهران، أعطت موافقتها على الاتفاقية المذكورة، بما تمثله من اختراق للدبلوماسية الأميركية على صعيد الأمن الإقليمي، والتكامل الاقتصادي في الشرق الأوسط، وإن بطريقة غير مباشرة، وذلك من خلال موافقة حليفها “حزب الله” عليها.


وبحسب الموقع، فإن إيران تستعرض أوراق قوتها في المنطقة، وتبدي استعدادها في الوقت نفسه للتفاوض بشأن اتفاق فيينا تحت ضغط الاضطرابات الداخلية، الأمر الذي سوف يلقى ترحيبًا من جانب الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي. ويضيف الموقع أنه، “في حال باشرت الولايات المتحدة وإيران محادثاتهما، حتى ولو بطريقة غير مباشرة عبر منتديات الأمم المتحدة، فإنه من الممكن أن يُصار إلى اختبار النوايا والسلوك الايرانيين على صعيد المبادرات الإقليمية المتعلقة بالعراق، واليمن، وسوريا”، للتوصل إلى نوع من التفاهمات الإقليمية في المرحلة الأولى، قبل أن يُصار إلى ترتيب تفاهمات نووية في المرحلة الثانية، بما يجعل العودة إلى اتفاق فيينا ممكنة.

اساسيالولايات المتحدةايران