أبطال الاستقلال المنسيّون.. مقاومو جبل عامل

تطل علينا في الثاني والعشرين من هذا الشهر الذكرى التاسعة والسبعون لاستقلال لبنان من الانتداب الفرنسي الذي امتد على مدى 26 عامًا، من عام 1920 لغاية العام 1946.

هذا الاستقلال الذي نُقل إلينا عبر مناهج كتب التاريخ، جاء بعد عدة أحداث ومواقف سُجلت يومها لشخصيات عديدة كبشارة الخوري ورياض الصلح وعادل عسيران، وكميل شمعون، وعبد الحميد كرامي وسليم تقلا وغيرهم. ورغم ما نقلته لنا كتب التاريخ عن وقائع وأحداث تلك الفترة، إلا أن ثمة ” عقدة مفقودة” في حكاية الاستقلال ككل، وذلك لأن مفهوم الاستقلال عبر التاريخ البشري مرتبط في معظم الأحيان بالثورة، وكل ثورة لتحرير الأوطان لا مقاومة فيها هي ثورة مشبوهة، والواضح هنا أن تاريخ لبنان منذ بدايات عهد السيطرة الإقطاعية العثمانية عليه، هو تاريخ حافل بالنضال “المنسي”.

أبطال من بلادي.. حاضرون وإن كانوا منسيّين
شهد تاريخ لبنان النضالي مرور عدد من الشخصيات النضالية الثورية المقاومة التي كان لها الأثر الكبير في صنع مجد هذه الأمة، بدءًا من حقبة الأمير فخر الدين وربما قبل ذلك، وصولًا إلى يومنا هذا. وفي هذا الإطار، وبما أننا في صدد الحديث عن مرحلة استقلال لبنان من الانتداب الفرنسي، فلا بد من تسليط الضوء على أحد أهم هذه النماذج المقاومة التي ناضلت حد الشهادة في تلك الحقبة من تاريخ لبنان.

السيد عبد الحسين شرف الدين، كان من رجال الاستقلال الكبار. هذا السيد العاملي المقاوم، الذي أطلق شرارة الثورة وكان أول من دعا إلى مؤتمر وادي الحجير عام 1920، حيث جمع فيه ثوار ووجهاء جبل عامل، وقد كان يومها رجل المؤتمر ومحوره الأساس، حيث تقرر على عقب انعقاده الاستقلال التام والانضمام إلى الوحدة السورية بزعامة الأمير فيصل حينها. تواجد يومها من بين الحاضرين في المؤتمر عدد من المقاومين المناضلين، في مقدمتهم المقاومان أدهم خنجر وصادق حمزة.

ومن رجال الاستقلال دهم خنجر الذي حاول اغتيال المندوب السامي الفرنسي حينها “هنري غورو”، ولجأ بعدها إلى سلطان باشا الأطرش إلا أنه أُسر هناك من قبل قوات الاحتلال الفرنسي، ليقضي من بعدها شهيدًا بعدما نفذ الفرنسيون حكم الإعدام بحقه رميًا بالرصاص عام 1922 في بيروت.

ولا ننسى المقاوم صادق حمزة، الذي له قصة أخرى مع مقاومة الاحتلال الفرنسي، إذ كان أحد قادة مقاومة هذا الاحتلال حينها، وقد كبّد الفرنسيين خسائر فادحة في الأرواح والعتاد ليزف من بعدها شهيدًا عام 1926.

ورغم تأخر حلول الاستقلال لعشرين عامًا بعدها، إلا أن المؤكد أن شعلة بدايته وأحرفه الأولى كتبت بدماء هؤلاء المقاومين الشهداء، ومن جاء بعدهم من أبطال الأمة ومقاوميها.

أعيدوا صياغة مناهج التاريخ.. اكتبوها بدم المقاومين الأحرار
تتوحد مناهج التعليم الرسمي في الدولة اللبنانية، بغض النظر عن مستواها التربوي ومفاعيلها العلمية، إلا أن مركز البحوث والإنماء أصدر نسخًا موحدة من المواد التعليمية المعتمدة رسميًا باستثناء كتاب التاريخ الذي لم يوضع له أي منهج موحد.

لم يتم لحظ أي تقدم في مناهج كتب التاريخ اللبنانية على اختلافها، رغم أن إصدارها لا يعود إلى الجهات الرسمية، ولكن مضمونها مرتبط بشكل وثيق بنظام هذا البلد وسياساته.

ولم تلحظ مضامين كتب التاريخ أي تحديث فيها، وإذا سلمنا جدلًا أنه من غير المسموح إحداث أي تغيير فيها فيما يتعلق بأحداث ما بعد الطائف مثلًا، فإنه لا بد من لفت نظر المؤلفين والتربويين والمؤرخين وأصحاب القرار إلى أنه لم يذكر في تاريخ لبنان أي من أسماء هؤلاء المقاومين، وفي مقدمتهم السيد عبد الحسين شرف الدين، وأدهم خنجر وصادق حمزة.

وفي هذا السياق، ثمة مسؤولية فردية ومجتمعية علينا، إذ لا بد من العمل وبذل الجهود لتصحيح التاريخ قدر المستطاع، وهنا لا نتحدث عن “محو التاريخ”، بل تعديله بوثائقه الحقيقية التي اختار أمراء الحرب في لبنان أن لا يسردوها لنا، وإن كان النظام التربوي الرسمي عاجزًا عن ذلك تحت سلطة السياسة، فإن واجبنا الوطني، وحق دماء هؤلاء الأبطال علينا أن تخلد أسماؤهم وذكراهم ونضالهم بكل ما أوتينا من جهد وقدرات وكفاءات، والأهم في هذا المجال هو تنشئة الأجيال على هذه الحقائق وسردها بأحداثها الحقيقية واعتبارها نقطة الأساس في انطلاق شرارة المقاومة في تاريخ لبنان وصولًا إلى ما وصلت إليه المقاومة حاليًا وما حققته على مر السنوات الماضية.

كتب أبناء السيد عبد الحسين شرف الدين مجد الأمة بدمائهم، علموا الأجيال معنى الحرية وكرامة العيش وكسر قيود المحتلين، وما سطرته المقاومة الإسلامية و لا زالت، ما هو إلا امتداد لهذا الدم المقدس، دمائهم التي عندما سقطت، كان بيد الله سقوطها.

اساسيعيد الاستقلاللبنان