ثلاث أزمات مركبة تعصف بالاستقرار الإقليمي

رغم كل المحاولات التي تحدث باستماتة للحفاظ على وضع عنوانه “اللا سلم واللا حرب” ومضمونه لملمة معسكر العدوان الصهيو – أمريكي وحلفائه واستمرار حصار المقاومة، على أمل انتهاء الأزمة الدولية التي شكلتها الحرب في أوكرانيا وفقًا للأماني الأمريكية، بهزيمة روسية أو على الأقل بالفشل في تشكيل نظام متعدد الأقطاب، إلا أن هناك أزمات رئيسية بدت في التكشف تكاد تعصف بالاستقرار وتقود الأمور إلى حافة الهاوية وإلى انزلاقات خطيرة.

وربما الأبرز في هذه الأزمات، يمكن رصد ثلاث أزمات مركبة هي نتاج الفشل في تركيع المقاومة ونتاج المستجدات الدولية، وتتمثل هذه الأزمات في أزمة للكيان الصهيوني، وأزمة تركيا وأزمة أمريكية عامة تؤثر وتتأثر بهذه الأزمات وتزيد من تعقيدها وخطورتها.

ازمة نتنياهو والكيان المؤقت
بعد وصول نتنياهو لمقعد رئاسة الوزراء للمرة الثالثة بعد ان حظي بالمنصب لمدة خمسة عشر عامًا على مرتين، بين عامي 1996 و1999، وبين عامي 2009 و2021، تشهد هذه المرة أزمة غير مسبوقة في تاريخ الكيان المؤقت، سواء على مستوى جبهته الداخلية وتنافرها وقضايا الفساد التي تلاحقه وقضايا الإرهاب التي تلاحق أبرز حلفائه في الائتلاف الفائز بالانتخابات مع وجود أزمة أمنية كبرى بسبب تنامي المقاومة ووصولها للضفة والقدس المحتلة، وسواء على مستوى علاقات الكيان الدولية مع روسيا والأدهى مع الراعي الرئيسي للكيان وهو الولايات المتحدة الأمريكية.

يضم معسكر نتنياهو، الذي يحاكم في قضايا فساد، أحزاب “الليكود” (32 مقعدًا) و”الصهيونية الدينية” (14 مقعدًا)، و”شاس” (11 مقعدًا)، و”يهدوت هتوراه” (7 مقاعد). والمزعج للغرب وخاصة أمريكا، هو حزب الصهيونية والذي يضم مجموعة حزبية منها حزب “العظمة اليهودية” بقيادة المجرم المتطرف إيتمار بن غفير، وهو ما يشكل معضلة لنتنياهو المطالب بإعطائه حقيبة وزارية هامة قد تكون الأمن الداخلي، والمطالب أيضًا بحل التناقض مع الحزب الديمقراطي الحاكم في أمريكا والذي يشكل وجود حكومة يمينية من الأساس إحراجًا له بسبب شعاراته وادعاءاته، ناهيك عن وجود متطرفين إرهابيين في الحكومة.

وعلى الجانب الروسي، تمر العلاقات الصهيونية الروسية بمنعطف خطير، حيث بدت الاشتباكات بالنيران بين الطرفين، ولو بشكل غير معلن ومباشر، فقد نُفذ عدوان لسلاح الجو الإسرائيلي على قاعدة الشعيرات السورية، دون تنسيق مع روسيا، كما قصفت الطائرات من دون طيار الروسية مدرعات إسرائيلية في أوكرانيا، حيث انتشرت تقارير وفيديوهات موثقة تظهر تدمير سيارة مصفحة إسرائيلية بواسطة طائرة مسيرة روسية من طراز لانسيت، واتضح لاحقًا أن مدرعات إسرائيلية شاركت في العملية الهجومية للقوات المسلحة الأوكرانية في منطقة خيرسون.

وحاول الجانب الإسرائيلي الإنكار وادعاء أنه لم يورد مثل هذه المعدات سواء بشكل رسمي أو غير رسمي، إلا أن المعلومات تقول إنه يتم توفير الأسلحة الإسرائيلية بشكل نشط لأوكرانيا من خلال إحدى الدول الأوروبية، في الوقت الحالي، وقد سلمت “إسرائيل” ما لا يقل عن 10 مركبات مدرعة من طراز GAIA أمير إلى أوكرانيا. تم التسليم من خلال بلد وسيط، وهو على الأرجح ألمانيا، وقد تم تدمير إحدى هذه المركبات المدرعة مؤخرًا بواسطة طائرة من دون طيار روسية هجومية من نوع لانسيت. ناهيك عن فضيحة سرقة قاعدة الصنوبر في الجولان، حيث تم سرقة نحو طن من الذخائر والقنابل اليدوية من قاعدة من المفترض أنها خاضعة لأقصى درجات التأمين.

هذه الأزمة الصهيونية تجعل العدو مهووسًا بالتصعيد في الوقت الذي لا تتسق موازين القوة الحقيقية مع ممارساته، وهو ما قد يدفع الأمور لانزلاقات خطيرة، وخاصة وأن إيران ومحور المقاومة عمومًا لن يسمحا بالعبث بالتوازنات والعودة للوراء.

ازمة تركيا
كان لافتًا، وكاشفًا لعمق الأزمة، ما صرح به وزير الداخلية التركي سليمان صويلو، حول أن بلاده لا تقبل التعزية التي وجهتها السفارة الأمريكية، عقب التفجير في شارع الاستقلال والذي أدى إلى مقتل 6 أشخاص وجرح 82.

وقد أفصح صويلو في تصريحه عن حقيقة الأزمة، حيث قال “إننا لا تقبل التعزية من السفارة الأميركية ونرفضها. نعرف من يدعم الإرهاب في شمال سوريا، ونعرف الرسالة التي أرادوا إيصالها لتركيا من خلال هذا الهجوم”، مشددًا على أن “من يدعم المنظمات الإرهابية شمال سوريا هو من نفّذ الهجوم ضدنا”. وأعلن “سنرد بشكل قوي جدًّا على الرسالة التي وصلتنا من هذا الهجوم”.

هذه التصريحات العلنية لا تحتمل سوى تفسيرين، إما أنها معلومات مؤكدة حول تورط أمريكي، أو أنه ابتزاز تركي لأمريكا للضغط عليها للتخلي عن دعم الأكراد. وفي الحالتين، فإن المؤكد هو تعمق الخلاف التركي الأمريكي حول هذا الملف وهو ما ينذر بانعكاسات كبيرة على الوضع في الشمال السوري.

وهناك أبعاد أخرى شائكة في ملف العلاقات التركية الأمريكية، تتعلق بالموقف من الحرب في أوكرانيا، حيث تريد أمريكا انخراطًا تركيًّا أوسع مع الناتو وانخراطًا أوسع في مساندة أوكرانيا وإيذاء الروس.

ويبدو أن تركيا تستجيب لهذه الضغوط نسبيًّا، فقد شوهدت طائرة من دون طيار من طراز RQ-4 تعمل قبالة سواحل القرم من الأجواء التركية، حيث تنسق الطائرة الاستراتيجية من دون طيار RQ-4 Global Hawk هجمات القوات المسلحة الأوكرانية باستخدام المجال الجوي التركي لأول مرة منذ نهاية ربيع هذا العام، وبينما لم تعلق أنقرة على هذا الموقف بأي شكل من الأشكال، إلا أن روسيا تعتبر مثل هذه الإجراءات معادية لها.
ومن غير المعلوم كيف ستحافظ تركيا على الشعرة الفاصلة بين علاقاتها مع روسيا، وعلاقاتها مع امريكا والناتو الذي تنتمي إليه، حيث تسمح هذه الشعرة الدقيقة بالقيام ببعض الوساطات النادرة بين أمريكا وروسيا ولو على مستويات استخباراتية، وهل ستنجح في تفادي الصدام مع روسيا أو أمريكا مع احتداد الوضع ودخول المعارك لمستويات أكبر وأكثر فتكا ودخول أسلحة جديدة استراتيجية أو توسع جغرافي يخرق المحظورات.

هذه الأزمة التركية قد تعصف بالاستقرار في سوريا إذا ما حاولت تركيا تحدي مواربات أمريكا للتحالفات أو إذا ما استجابت لضغوط أمريكا ودخلت في عداء صريح مع الروس بلحاظ الجبهات المتصارعة في سوريا ووجود تركيا وروسيا على طرفي نقيض فيها.

ازمة امريكا
فيما تلوح أمريكا بالقوة وفي الوقت الذي نشرت فيه وزارة الدفاع السعودية عدة صور تظهر عددًا من طائرات «ف-15 إس إي» و«تايفون» ترافق القاذفة الإستراتيجية الأمريكية «بي- 52» التابعة للقوات الجوية الأمريكية، أثناء عبورها أجواء المملكة، في استعراض ساذج للقوة يراد به تخويف المقاومة شكلًا، بينما مضمونه احتواء الخلافات وتمتين التحالفات، نجد أن هناك عدة حوادث تكشف اهتراء القوة الأمريكية، وربما هناك حادثتان كانتا بمثابة فضيحتين:
الأولى: قال مسؤولون اتحاديون إن طائرتين عسكريتين اصطدمتا في الجو في معرض جوي تذكاري للحرب العالمية الثانية في مدينة دالاس الأمريكية وتحطمتا قبل اشتعال النيران فيهما، وأسفر الحادث عن مقتل ستة أشخاص بحسب ما نقل عن طبيب شرعي.

وقالت إدارة الطيران الاتحادية في بيان إن طائرتين من فترة الحرب العالمية الثانية من طراز بوينج بي 17 فلاينج فورتريس وبيل بي -63 كينجكوبرا تصادمتا وتحطمتا في معرض وينجز أوفر دالاس للطيران في مطار دالاس، وقال مسؤولو المطار على تويتر إن أطقم الطوارئ هرعت إلى موقع التحطم ولكن إدارة الطيران الاتحادية قالت إنه لم يتضح عدد الأشخاص الذين كانوا على متن الطائرتين.

الثانية: فضيحة في قاعدة “المنطقة 51″، حيث اخترقت طائرة من دون طيار مجهولة منشأة مغلقة وصورت لقطات فيديو لقاعدة عسكرية. وقد تمكنت الطائرة هذه من الدخول بحرية إلى واحدة من أكثر القواعد العسكرية الأمريكية سرية “المنطقة 51” وإطلاق النار على عناصر سرية في القاعدة. تم تجهيز الطائرة من دون طيار ببطارية معززة، مما سمح لها بالبقاء في الجو لفترة طويلة، والأدهى، أن الجيش الأمريكي علم بذلك فقط بعد أن نشر مالك الطائرة على الشبكة إحداثيات GPS لمسار طائرته.

وتقول التقارير إنه وحتى وقت قريب، كان يُعتقد أن استخدام المركبات الجوية غير المأهولة في المنطقة 51 كان مستحيلًا بسبب حقيقة أن تشويش إشارة GPS يتم به، ومع ذلك، اتضح أنه كان من الممكن تجاوز نظام الدفاع للمنشأة العسكرية للقوات الجوية الأمريكية دون أي مشاكل كبيرة.

هذه الفضائح وتناقضها مع ادعاء فائض القوة، وكذلك تناقض دعايات أمريكا حول الحريات وحقوق الإنسان مع تحالفها مع الفاسدين والمستبدين ومجرمي الحرب، تعكس أزمة أمريكية قد تدفعها للتهور لإثبات القوة أو الخضوع لتهور حلفائها وتابعيها للحفاظ على التحالف، وهو ما قد يعصف أيضًا بالاستقرار.

هذه الأزمات الناتجة عن اهتزاز العرش العالمي لأمريكا وأفول الهيمنة لها ولحلفائها بالإقليم، تنطوي على محاذير كبرى، تفطن المقاومة لها وتعلن دومًا جهوزيتها لجميع الاحتمالات وعدم السماح بتمرير معادلات جديدة تغير ما حققته المقاومة من انجازات ومعادلات.

اساسياسرائيلالولايات المتحدةايرانتركيا