يزداد عداد الكوليرا في لبنان على نحو كبير، حيث سجلت وزارة الصحة إصابات جديدة في الأيام الأخيرة في مناطق متعددة.، وكانت منظمة الصحة العالمية قد أعلنت في وقت سابق عن أن الكوليرا منتشرة في مناطق مختلفة من لبنان وسط مخاوف من تحولها إلى وباء.
انتشار الكوليرا جاء في وقت لا زال يعاني فيه لبنان من الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والصحية، الأمر الذي يجعل مواجهة هذه الأزمة أكثر صعوبة وتعقيدًا، لا سيما وأنها على صلة بالقطاع الصحي الاستشفائي، والذي يعتبر بدوره أحد أكثر القطاعات تضررًا من الأزمة الحالية.
الكوليرا تعود للانتشار عالميًا
أعلنت منظمة الصحة العالمية مؤخرًا أن 26 دولة أبلغت عن تفشي الكوليرا في أول تسعة أشهر من هذا العام وحده. وقال د. فيليب باربوزا، رئيس فريق مكافحة الكوليرا وأمراض الإسهال الوبائي في المنظمة، في تصريحات صحفية من جنيف: “نشهد المزيد من التفشيات فحسب، بل كانت أكبر وأكثر فتكًا”. وأوضح أن معدل الوفاة المبلغ عنه في 2021 ارتفع بحوالي ثلاثة أضعاف إذا ما قورن بمتوسط الأعوام الخمسة السابقة، وفي أفريقيا يبلغ المعدل حاليا ثلاثة في المائة.
بالإضافة إلى ذلك، أكد د. باربوزا أن تفشي الكوليرا يحدث بشكل خاص في المناطق التي تعاني من الفقر والصراعات. ولكن “اليوم نواجه تهديدًا متزايدًا مع تغيّر المناخ” مثل الأحداث المتطرفة كالأعاصير والجفاف والفيضانات، وذلك يقلل من إمكانية الوصول إلى مياه نظيفة، وبذلك تتوفر بيئة خصبة لانتعاش الكولير. وأشار إلى أنه يمكن الوقاية من الكوليرا عبر ضمان الوصول إلى مياه مأمونة والنظافة والصرف الصحي، مع زيادة الوصول إلى الرعاية الصحية والانخراط الفعّال للمجتمع.
تجدر الإشارة إلى أن فترة حضانة المرض تمتد من يومين إلى خمسة أيام. وتشمل العوارض الإسهال والتقيؤ، مما يشكل الخطر الأبرز للمرض المتمثل بجفاف الجسم نتيجة فقدانه لكمية كبيرة من السوائل، ما يؤدي إلى مضاعفات قد تصل إلى الوفاة في حال عدم المعالجة.
وبالنسبة للتطعيم، قال د. فيليب باربوزا إن التطعيمات المتاحة محدودة للغاية، والطلب دائمًا يفوق الإمدادات، وهذا العام كان أكثر تعقيدًا. وبشأن وجود نقص فيها، عزا د. فيليب ذلك إلى وجود مصنّع واحد فقط ينتج التطعيمات، مؤكدًا أنه على الرغم من “خطورة الوضع” إلا أنه ” ليس ميؤوسًا منه، مضيفا أنه “يمكن الوقاية من الكوليرا وهو مرض قابل للشفا”.
الكوليرا في لبنان: انتشار سريع وتساؤلات عديدة
أعلنت وزارة الصحة اللبنانية الأحد (5 تشرين أول/ نوفمبر 2022) عن تسجيل 10 إصابات جديدة بوباء الكوليرا، خلال الـ24 ساعة الماضية، ما رفع العدد التراكمي للحالات المثبتة الى 426، فيما لم يتم تسجيل اي حالة وفاة، وسجل العدد التراكمي للوفيات 18.
وأمام هذا الواقع الذي يشير إلى التفشي السريع للوباء، ثمة تساؤلات عديدة تطرح حول أسباب الإصابة، وكيفية الحد من الانتشار السريع له، والإمكانيات المتاحة وكيفية التعامل مع الإصابات وتوفير اللقاحات والإرشادات اللازمة بهذا الشأن.
في هذا الإطار أرجع وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال الدكتور فراس أبيض سبب انتشار مرض الكوليرا في لبنان إلى تراجع مستوى الخدمات الأساسية في هذا البلد المنهك بالأزمات، مشيرًا إلى أن “التراجع في الخدمات وصل إلى مستوى التعرض إلى أوبئة لم تدخل لبنان منذ زمن بعيد”.
من ناحية ثانية نشرت وزارة الصحة خطة طوارئ تم إعدادها بالتنسيق مع منظمة الصحة العالمية تضمنت مجموعة من الإجراءات كتعزيز تقصي الحالات عبر زيارات ميدانية للمناطق اللبنانية كافة، وإصدار تعاميم للمستشفيات والمراكز الصحية والعاملين الصحيين لضرورة إبلاغ الوزارة بأي حالة مصابة أو موضع شك بالإصابة، وتأمين مخزون أولي من الأمصال والأدوية المطلوبة لمعالجة الإصابات، فضلًا عن تجهيز المستشفيات ومراكز عزل للتأكد من حصر الوباء، بالإضافة إلى التعاون مع نقابات الأطباء والممرضين والجمعية اللبنانية للأمراض الجرثومية لتأمين دورات تدريبية للعاملين الصحيين. كما تضمت الخطة تشكيل خلية أزمة بالتنسيق مع الوزارات المعنية، ووضعت الوزارة خطًا هاتفيًا ساخنًا بتصرف المواطنين (1787) للتواصل معها.
تشير المعطيات الأولية إلى أن وزارة الصحة لا تزال لغاية الآن قادرة على استيعاب الحالات المصابة، في ظل توفر العلاجات ووصول كميات من اللقاح اللازم حيث قدمت شركة “سانوفي” الفرنسية بدعم من الحكومة الفرنسية 13 ألف و440 جرعة لقاح لوباء الكوليرا، ولكن الأمر يستدعي وعلى نحو عاجل تطبيق خطة الطوارئ المحددة لاستيعاب الوباء المنتشر والحد من مخاطره التي قد تكون كارثية إذا لم يتم التعامل مع الأمر بمنتهى الوعي والجدية والمسؤولية على صعيد الأفراد والمجتمع والدولة.