إعداد ريم شكر
أجرى موقع “الناشر” حوارًا مع الكاتب في جريدة “الأخبار” الأستاذ في العلاقات الدولية وليد شرارة، حول التطورات التي شهدتها الحرب الروسية الأوكرانية، وتصاعد العمليات العسكرية، وذلك انطلاقًا من حادثة تفجير أنبوب (Nord Streem2) وتفجير جسر القرم والإجراءات التي اتخذها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بقصف بعض المنشآت الحيوية داخل أوكرانيا.
• ما هي دلالة دخول سلاح إيراني، وإنْ كان لم يتم الاعتراف بذلك بشكل رسمي، في المعركة بين أوكرانيا وروسيا؟ هل له دلالات سياسية ستؤدي لانعكاس سلبي على العلاقات بين إيران والغرب، وبين روسيا والغرب؟
أولًا نحن في أوكرانيا أمام حرب عالمية تدور حتى الآن على الأراضي الأوكرانية لأنها حرب بين المحور الغربي، أي الناتو الذي هو في الحقيقة الحلف العسكري الوحيد الموجود حاليًا في العالم، وبين روسيا، حتى هذه اللحظة. علمًا أن روسيا ليس لديها تحالفات شبيهة بالناتو، إنما لديها شراكات مع الصين ومع إيران ومع دول أخرى بدرجة أقل. إن مواقف القادة الغربيين والأميركيين تحديدًا، وكما تبيّن لنا من خلال مراجعة بعض التحليلات والتقارير الصادرة عن أكثر من مصدر عسكري أو مراكز دراسات على صلة بالبنتاغون أو عن طريق وزارة الخارجية، كلهم يقولون إن أهداف هذه الحرب خاصة.
بعد مضي أشهر على اندلاع هذه الحرب، جهر الغرب بحقيقة الاستهدافات وبما يستهدفونه من خلال الحرب على روسيا في أوكرانيا، وهدفهم كسر روسيا وهزيمتها وجعلها تنسحب بطريقة مذلة تقودها إلى الانهيار. يعمل الغرب على إدراج هذه الأهداف ضمن استراتيجية كبرى هدفها كسر روسيا لردع الصين وإخضاع إيران. في المقابل، تعلم الصين وإيران حقيقة الأهداف الأميركية المخفية، لذا من الطبيعي أن يقفوا بصف روسيا إلى درجة ما لمنع الولايات المتحدة من تحقيق أهدافها. لذلك من المنطقي أن تدخل إيران بطريقة مدروسة في المواجهة إلى جانب روسيا.
وقد أعلن معهد “كييل” للاقتصاد العالمي، أنه حتى شهر آب الماضي، بلغ حجم الإمكانيات التي ضخها الغرب لأوكرانيا بحدود 84 مليار دولار، على شكل مساعدات عسكرية واقتصادية ومالية، وهذا ما يُظهر أهمية هذه المعركة لدى الغرب بحيث تُعد معركة مصيرية بالنسبة لموقعه كقوة مهيمنة في رأس هرم النظام الدولي. تم ضخ هذه المساعدات ومن الطبيعي أن القوى الأخرى المناهضة للهيمنة الأميركية والغربية تواجه مثل هذه التوجهات الغربية.
وعليه، دخلت إيران من خلال مبيعات السلاح، ومن الطبيعي ألا تقر بكل ما تفعله لأن الغرب لا يقر بكل ما فعله أو يفعله في أوكرانيا. يعمل الغرب منذ سنوات على تدريب قوات النخبة في الجيش الأوكراني. وكشفت الحرب أن منظومات سلاح شديدة التطور على المستوى التكنولوجي والقدرة التدميرية، نُقلت إلى أوكرانيا، وهي أسلحة ومنظومات أميركية وألمانية وفرنسية وكندية وبريطانية.
لذا، فإن التصعيد الذي نشهده ضد إيران بذريعة تضامن الغرب مع قضية مهسا أميني، مرتبط ارتباطًا وثيقًا بموقف إيران من الحرب الدائرة في أوكرانيا، والهدف منه هو الضغط على إيران، ولكنه يندرج أيضًا ضمن استراتيجية طويلة الأمد معتمدة من قبل عدد كبير من الأطراف الغربية والأجهزة الغربية بشكل خاص والتي تستند إلى ضرورة دعم الحركات المعارضة في إيران، أكان من تنظيمات مثل “مجاهدي خلق” أو بعض الحركات الانفصالية في كردستان وفي سيستان بلوشستان. إن هذه التنظيمات تحظى بدعم وتدريب وتسليح غربي وإسرائيلي وتوجه استراتيجي هدفه إضعاف إيران بنيويًا.
• بعد حشد الناتو قواته داخل الأراضي الأوكرانية وإرسال الولايات المتحدة جنودًا لها وضخّ الأسلحة بشكل كثيف، هل نحن أمام مواجهه بين الناتو وروسيا بشكل مباشر؟
حتى اللحظة هناك مواجهة غير مباشرة بين الناتو وروسيا. لا تشبه هذه المواجهة كل الحروب التي حصلت سابقًا. على سبيل المثال خلال حرب فيتنام، قدّم السوفييت الدعم للفيتناميين، ولكن لا يمكن مقارنته بالدعم الذي يقدم حاليًا لأوكرانيا. كذلك لا يمكن مقارنة دعم الأميركيين للمجاهدين الأفغان أيام الغزو السوفييتي لأفغانستان، بالدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة والقوى الغربية لأوكرانيا اليوم.
إذًا، نحن أمام حرب حتى هذه اللحظة بالوكالة، بمعنى أنه إلى جانب القوات الأوكرانية التي تقاتل القوات الروسية، هناك تورّط غربي متزايد، أولًا بإدارة العمليات وهناك مجموعات من القوات الخاصة الأميركية والغربية على الأرض في أوكرانيا. كما يتحدث جورج مالبرونو، مراسل “فيغارو” المعروف بلبنان، عن وجود أكثر من 50 عنصرًا من الاستخبارات الخارجية الفرنسية في أوكرانيا، بالإضافة إلى وجود قوات خاصة بريطانية وأميركية وفرنسية، وأكثر من غرفة عمليات مع وجود ضباط غربيين في داخلها، هذا إضافة إلى كل المعطيات التي نشرت في الصحف الأميركية، ومنها “واشنطن بوست”، والتي تحدثت عن الدور الذي تلعبه الولايات المتحدة بتحديد مواقع قادة عسكريين روس أو غواصات وسفن روسية تم ضربها من قبل الأوكران.
المقصود من هذا، أن هذه حرب حتى اللحظة بالوكالة، ولكن مع تورط متزايد إلى أين قد يصل هذا التورط أيضًا؟ يرتبط ذلك بالتطورات الميدانية ومدى قدرة روسيا على التأثير في الميدان وكذلك على ما تتركه الحرب من تداعيات في داخل دول الغرب.
• في الآونة الأخيرة يعمل الغرب على رفع الضغط على إيران. هل هذا الضغط يشير الى أن الحوار الغربي – الإيراني تأجّل أو انتهى؟ وماذا بشأن الاتفاق النووي بين إيران والدول الغربية ونحن على أبواب مواجهة مباشرة بين المحور الغربي ومحور روسيا والصين وإيران؟
حتى هذه اللحظة لم تنقطع الاتصالات المتعلقة بالملف النووي، ولكن هناك بعض الأطراف في الداخل الغربي يطرحون نظرية استغلال الوضع الداخلي في إيران لإضعاف النظام عبر دعم المعارضة والاحتجاجات والحركات الانفصالية، مما يسمح بالتفاوض معها من موقع القوة. وهناك رأي آخر يقول إن هذا الأمر لن يحقق نتائج، بل سيحقق نتائج عكسية ويجعل النظام في إيران يأخذ موقفًا حادًا. ولكن حتى اللحظة لم يتم الإعلان رسميًا عن وقف كل الجهود من أجل العودة إلى المفاوضات.
من الواضح أن احتمال التوصّل إلى اتفاق أصبح ضعيفًا جدًا، حتى اللحظة على الأقل، بحسب تقدير كل المراقبين وبحسب مواقف وتصريحات القادة الغربيين. لذلك، على الأقل في المدى المنظور لا إمكانية للعودة إلى المفاوضات والتوصّل إلى اتفاق بسهولة. وهذا لا يعني قطع الأمل بما يخص الاتفاق النووي، قد تحصل تطورات تفرض العودة له، خاصة إذا ظهرت مفاعيل الحرب الأوكرانية على مستوى الطاقة أو الاقتصاد في الغرب بشكل أكبر، عندها سيبحث الغرب عن بدائل عن الغاز الروسي. لذلك، من الصعب إعطاء جواب حاسم بشأن موضوع المفاوضات مع إيران ثم التراجع عنه، حتى ولو أن فرص التوصّل إلى حل تفاوضي تبادلي اليوم أصبح ضعيفًا جدًا.