بين أوهام العدو وحقيقة المقاومة.. “المهمّة أُنجِزتْ”

أخيرًا وبعد أشهرٍ شاقة وقلقة وحذرة من التفاوض غير المباشر مع العدو الإسرائيلي حول الحدود البحرية بوساطة أمريكية لم تكن يومًا نزيهة بما يتعلق بالحقِّ العربي عمومًا واللبناني خصوصًا، أشهر اضطرت فيها المقاومة مكرهة ولكن على بصيرةٍ واقتدار على السير على حافَّة الحربِ والمواجهة والتي لم يكن يعلم نتائجها إلَّا الله سبحانه وتعالى حيث يقول في كتابه الكربم: “كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ” (سورة البقرة – الآية 216 ) فوجَّهت رسائلها الواضحة والصريحة للعدو ومنْ خلفهُ أنَّ الحقَّ اللبناني لا تراجع عنه ولا تساهُل فيه وأنَّ الوقت في قاموسها ليس وجهة نظر ولا تلاعُبَ بسياقِ ساعاته، فألزمت الوسيط غير النزيه أن يضبط إيقاع وساطته على وقع مُسيَّراتِها التي جابت البحر بطوله وعرضه مترافقةً مع إحداثيات راداراتها في البر في تحدٍّ لاستعدادات العدو واحتياطاته فأوقعته في حيرة وبلبلة لوقتٍ غير وجيز وأدَّت إلى ردعِ العدو عن التمادي في التسويف والمماطلة وتضييع الوقت، كما ودفعت المفاوض الأمريكي للإقرار “بأنًّ سِرَّ التراجعات الأميركية – الإسرائيلية لصالح لبنان كان يتمثَّل بالخشية من الحرب التي كانت تهديدًا واقعًا وأنها كانت خلف التوصل إلى التفاهمات”.

“أُنجِزت المهِمَّة”. هكذا بلغة الواثق والمطمئن وبثغرٍ باسمٍ وأريحيَّة لافتة تحدّث الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله (حفظه الله) إلى الناس موجّهًا التحية والامتنان لأولئك المقاومين المرابطين على خطوط النار وأصابعهم على الزناد وعيونٌ ترقب البحر وتحسب المسافات وترسمُ الإحداثيَّات في أناةٍ وصبرٍ ويقينٍ بالنصر، يُعِدّون أنفاس العدو وسكناته ويرقبون انفعالاته وردّات أفعاله وبين أيديهم سيناريوهات الردِّ التلقائي دون انتظار الأوامر والتي كانت محضَّرةً سلفًا وموضوعة على الطاولة.

إنَّ جعجعة البعض في لبنان ونواحه وعويله في تماهٍ معيبٍ ومخجلٍ مع الخيبة الأمريكية والإسرائيلية لمسار الأمور ونتائجها والتي هزّت أركان العدو في الداخل الفلسطيني المحتل وأنذرت بتداعيات على مجمل واقعه السياسي والأمني والعسكري والوهم بالأمن والإستقرار الزائفين، كلُّ هذا الضجيج والتشويش والذي جُنِّدت له أبواقٌ إعلامية وألسنةٌ مرتهنة وكتبةٌ تشتمُ وتُوهِن وتنتظِرُ لفتةً من سموِّه وسعادته ونيافته وشعارها “فِداكم سيِّدي والدَّفعُ كَمْ ” كلُّه لم ولن يُخفي سلسلة الحقائق المشرقة في إنجاز هذا الملف الهام والحيوي والإستراتيجي للبنان وشعبه واقتصاده ومستقبل أبنائه، لن يُخفي حقيقة أننا استعدنا الحقوق التي كانت وللأمس القريب مستباحة ومنتهكة من قبل عدوٍّ لئيمٍ سارق وطامعٍ بخيراتِ لبنان وثرواته، استعدناها بقوة مقاومتنا المخلصة والشجاعة والمقتدرة والحاضرة أبدًا للرد وبقوّة على عربدة العدو واستعلائه، المقاومة التي كانت سندًا للمفاوض اللبناني وأساس صلابته، استعدناها بجرأة موقف وقرار “قائدها الأمين” وقراءته الصائبة للأحداث المحليَّة والإقليمية والدولية ومجرياتها وتحويل التهديدات والتحديَّات وحتى التهويلات إلى فُرَصٍ تُقلَبُ فيها الموازين وتحقَّق فيها الإنجازات، التي بُهِتَ البعضُ وأُخرِس وأُحبِطَ لتحقيقها فانقلبت أمورهم رأسًا على عقِب “وطقِّت فيوزاتهم” وذهبت أضغاث أحلامهم أدراج الرياح وصحَّت فيهم “الآيةُ 65 “من سورة الأنبياء” ثُمَّ نُكِسُواْ عَلَىٰ رُءُوسِهِمْ “.

نعم هي الحقيقة الناصعة الواضحة التي لا لُبسَ فيها والتي قضت على أوهام العدو وآماله في الهيمنة وفيها نصرٌ تاريخي يُسجَّل في سجلِّ انتصارات المقاومة على العدو الإسرائيلي وهو بمصافِ انتصارات التحرير عام 2000 وتموز وآب العام 2006 وتحرير الجرود من الإرهاب التكفيري في تموز العام 2017، نعم هو تحريرٌ آخر بطعمٍ مختلف ونتائج هامّة على المستوى الإستراتيجي يحتاجُ إلى حماية وتحصين من مكائد العدو وتخريبه.

وهنا لا بُدَّ من القول والتأكيد بتواضعِ وبثقةِ العارفِ بهذه المقاومة وقائدها ومجاهديها إنَّه واهمٌ واهمٌ واهمٌ حتى ينقطع النَّفس كُل من يعتقد أنَّ منصَّة غازٍ هنا أو بئرَ نفطٍ هناك ستقفُ حائلًا أمام الردِّ وبقسوة دون هوادة أو تلكّؤ أو تردُّد على أيِّ حماقةٍ أو عدوانٍ إسرائيلي في المستقبل.

اساسي