أوروبا حديقةً خلفيّةً لليانكي

إيلي نصر الله حدّاد – خاص الناشر |

ليس على سبيل “التكريز” على كلامه العنصري، لكنني ممن لفتهم تصريح جوزيب بوريل، الممثل السامي للشؤون الخارجية بالاتحاد الأوروبي حيث قال: “أوروبا حديقة وبقيَّة العالم أدغال”.

ولعل التصريح أتى بوحيٍ من معلمه الأميركي، وقد بتنا نعلم علم اليقين أنَّ الاتحاد الأوروبي بمؤسساته وكياناته المعنويَّة – ومنها المفوضيَّة السامية – ما هو إلا دائرة من دوائر تبعيَّة القارة العجوز لوحش اليانكي الساكسوني. بتنا ندرك ماهيَّة إنشاء الاتحاد الأوروبي بوصفه طوقًا سميكًا شدَّه الأميركيّون بسلاسل غير مرئيَّة عابرة للأطلسي.

ما هي أوروبا إذًا إن لم تكن حديقة؟ أوروبا الخاضعة للاحتلالين: العسكري الأميركي، والثقافي الصهيوني، ترى ما عساها تكون؟

لكم وددت لو أمكنني التواصل مع سعادة المفوّض لكي أقول له إنني ممن ينتابهم مزيجٌ من القرف والشفقة عندما أفكر بوضع أوروبا الحالي. أوروبا التي تخلت كليًا عن إرثها المسيحي وأصبحت راعية الفساد الخلقي في العالم، راعية تدمير ما تبقى من إنسانية في الوعي الجمعي للشعوب.

بالأرقام الواضحة والصريحة، هذه ثمار أوروبا يا سعادة المفوّض:
إنَّ أيّ مجتمع تتدنى خصوبته تحت معدل 1.3 يُعَدّ نموّه سلبيًا، ويسير بالتالي باتجاه الضمور. ومعدّل النمو السكاني العام في أوروبا أقل من 0.8!

أوروبا “نصف الميتة” هذه، التي تعيش على أكتاف شباب شمال أفريقيا وأفريقيا وآسيا الذين تستقدمهم للخدمة في حانات اللواط والسحاق، ليتزوّجوا وينجبوا علهم يغطّون عقمها، وفي الأفران وعلى محطات البنزين، بالحدّ الأدنى للأجور، شبابٌ كنت يومًا ما واحدًا منهم، خرّيجون يجيدون لغتين أو ثلاثًا، تستقدمهم ليخدموا ثملها المزمن، وتسخر بالمقابل من حجاب أمهاتهم ونسائهم. أوروبا التي باتت تضطهد المسيحيين علنًا وبافتخار فتضع كوتا الوظائف لمعادي المسيحية فوق كل اعتبار.

أوروبا الخاضعة للاحتلال الثقافي الصهيوني، هي شاهدة الزور الأولى والشريكة الكبرى للويلات المتحدة الأميركية في نخر المنظومات الخلقيَّة لشعوب العالم.

يُحكى – عن حق وليس تزويرًا – عن احتلالٍ ثقافي تسعى إمبراطوريَّة الشرّ الأميركيَّة لنشره في شتى أنحاء المعمورة. احتلال جديد أبطاله عملاء يكونون روّاد حركات الدفاع عن المثليَّة الجنسيَّة في المجتمعات، روّاد منظمات الدفاع عن المهمّشين، عن الأطفال، عن حق الأمومة بعد الانفصال، روّاد التشجيع على الفسخ الأسري تحت عنوان “تحرير المرأة”، روّاد كل ما أودى بالقارة نفسها إلى الحضيض، وأخيرًا وليس آخرًا، روّاد تأنيث الذكور وتذكير الإناث.

لهؤلاء وأتباعهم من مدمني الميديا الغربية ولاءٌ مطلقٌ للإمبراطوريَّة الأميركيَّة على حساب أوطانهم. وهل ننسى منظر العملاء الأفغان حين امتطوا دواليب وأجنحة الطائرات الأميركية وهي تغادر كابل، وكيف ألقوا بأنفسهم إلى التهلكة؟ لم أجد تفسيرًا غير أنهم من أولئك الروّاد، ولا بدّ أنَّهم كانوا يعملون على قضايا حسَّاسة تمسّ بقيم المجتمع الأفغاني. تخيّلوا منظر عميل أفغاني تمَّت إدانته بالتآمر على المجتمع الأفغاني والسعي إلى إيجاد فسخٍ جديدٍ تحت عنوان المثليَّة الجنسيَّة مثلًا وتوقّعوا حكم طالبان عليه. من هذه الزاوية يمكن تفسير تعلقهم بدواليب الطائرات.

إنَّ كارثة أوروبا، بل البشريَّة جمعاء، هي الاعتقاد الخاطئ أنَّ بناء المجتمعات يمكن أن يتحقق من دون وجود وعاءٍ ذهني، حضاري، وأولًا وأخيرًا ديني. وإن كان الأوروبيّون قد نسوا مقولة مكيافيلي للأمير: “الدين والقوميَّة إسمنت المجتمع الأوروبي، إن غاب أحدهما تعذَّر بناء المجتمع”، فكيف وقد غاب الاثنان معًا عن أوروبا؟

وأمَّا العبد الفقير، فأنا مقتنعٌ أنَّ الانتماء إلى الإسلام بوجهيه، المحمدي والنصراني، ضرورةٌ قصوى، لا مزايدةً ولا تشبثًا أعمى، بل لإيماني بعدم إمكانيَّة استمرار أيّ مجتمع بغياب وعاءٍ ثقافيٍ أخلاقي. لإيماني أنَّنا مخلوقاتٌ تحتاج في ما تحتاج إلى قواعد عامة تحدّد سلوكيَّاتنا المجتمعيَّة. وأمَّا بخصوص “الحاكورة” الأوروبيَّة، فباستطاعتي أن أطمئن سعادته أنَّها بالفعل قد استحالت “رزقًا سائبًا”، وعسى أن يتطوّع أحدهم فيترجم له المثل الشعبي اللبناني عن “الرزق السايب”!

اساسيالولايات المتحدةاوروبا