شهدت فترة حكم الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب أحد أصعب المراحل التي عاشتها منطقتنا والعالم، بفعل سياسات الأخير وطريقة معالجته للملفات الشائكة. بداية من علاقته مع دول الخليج والسعودية تحديدًا حيث سجلت زيارته الخارجية الأولى له الى المملكة حدثًا تابعه العالم لحفاوة الاستقبال غير المسبوقية وما رافق الزيارة من تصريحات وأحداث اعتبرت مؤشرًا لما ستكون عليه الولاية الرئاسية الأولى. كما شكل مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في تركيا في وقت لاحق مفصلًا مهمًّا في اظهار اوجه العلاقة بين ولي العهد محمد بن سلمان والرئيس ترامب الذي بقيت قضيته معلقة بين أخذ ورد الى حين اقفالها بشكل نهائي وكأن شيئًا لم يكن.
كما يعتبر الانسحاب الاميركي من الاتفاق النووي بين إيران والدول الكبرى مرحلةً جديدةً حتمت البحث جديًا في إيجاد آلية أخرى لصوغ العلاقات الدولية وضرورة البحث عن اشكال جديدة لحفظ مصالح الدول.
يضاف الى ذلك التوترات التي شهدتها علاقة الولايات المتحدة في كل من روسيا والصين وكذلك مع حلفاء الولايات المتحدة الأميركية الأوروبيين. كما كان لاغتيال قائد قوة القدس في الحرس الثوري الايراني قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي في العراق ابو مهدي المهندس، وقع الصاعقة على المنطقة والعالم حبس من خلالها العالم أنفاسه لبرهة، ولعلها شكلت مفصلًا في تحول الأحداث سياسيًا وميدانيًا.
حاول الجمهوريون بقيادة الرئيس ترامب تقديم الدعم غير المتناهي للكيان المؤقت، وهذا ما يعد من صلب العقيدة الأميركية ولعلها بارزة أكثر في أسلوب عمل الجمهوريين من خلال تقديم الدعم الكبير دون الاخذ بعين الاعتبار ضرب عدد من المصالح مع دول وكيانات صديقة إذا كان ذلك يؤثر على مصلحة الكيان. ولعل أبرز خطوتين كانتا في الاعتراف الاميركي بالقدس عاصمة للكيان عام 2017 وبعدها بعامين الاقرار بسيادة الكيان على الجولان السوري المحتل بتاريخ 25 مارس 2019 بعد زيارة رئيس حكومة الاحتلال آنذاك بنيامين نتنياهو الى واشنطن.
يضاف الى ذلك السعي الاميركي الكبير خلال تلك الفترة لجمع الكيان المؤقت مع أكبر عدد من الدول العربية من خلال مسلسل تطبيع العلاقات بين عدد من الدول العربية والكيان، وذلك لإعطائه شرعية أكبر ومقبولية لدى الرأي العام العربي والدولي في محاولة لتعويض النقص الحاصل بفعل مردوعية الكيان اتجاه قوى المقاومة في المنطقة.
ولعل خسارة ترامب لولاية ثانية في قيادة الولايات المتحدة الأميركية شكلت خيبة أمل كبرى للثالوث ابن سلمان وابن زايد وبنيامين نتنياهو، الركيزة التي كان يعول عليها الكيان المؤقت في تعويض الردع بالتمدد بأشكال ثقافية وسياسية واقتصادية.
اليوم وبعد تجربة الديموقراطيين مع الرئيس جو بايدن والتباين الكبير الحاصل بين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان من جهة والرئيس بايدن من جهة أخرى، وبين الدعم الاميركي الواضح ليائير لابيد في الكيان مقابل عودة بنيامين نتنياهو الى رئاسة الحكومة، تحاول الأطراف كافة تسجيل نقاط بهدف ازاحة منافسيها من الحكم. نتنياهو يحاول تصوير اتفاق الترسيم البحري مع لبنان لتقديم لابيد للجمهور الاسرائيلي كمن فرط “بحقوق الكيان وثرواته” ما يجعل السباق الانتخابي المحموم في الكيان محط اهتمام كبير وتعتبر نتائجه مؤثره في مستقبل الكيان والصراع الحالي.
في المقلب الآخر اعتبرت الولايات المتحدة الاميركية ان موقف السعودية من تخفيض انتاج (أوبك+) هو عمل عدائي من قبل السعودي ويصب في مصلحة روسيا فضلا عن الأداء السعودي الذي قابله الأميركيون بسحب منظومات دفاع جوي وجنود من السعودية ووقف عدد من صفقات توريد السلاح كنوع من العقاب. فهل تعمل السعودية بقيادة ابن سلمان على التأثير بمزاج الناخب الأميركي من أجل إضعاف حظوظ الرئيس بايدن لولاية ثانية؟
ماذا لو نجح نتنياهو الشهر المقبل بعد انتهاء انتخابات الكنيست في حصد عدد الأصوات الذي يخوله تشكيل حكومة جديدة؟ ما هو مصير اتفاق الترسيم مع لبنان الذي صرح نتنياهو مرارًا عن رفضه له وانه سيعمل على نقضه في حال فوزه في الانتخابات المقبلة؟ وماذا لو تحققت استطلاعات الرأي في الولايات المتحدة الأميركية التي تشير الى تراجع شعبية الديموقراطيين الى 22% ونجح بذلك الجمهوريون بحصد أغلبية أعضاء مجلسي النواب والشيوخ وصارت عودة الرئيس ترامب أو من يحمل تفكيره نفسه أمرًا ممكنًا بعد عامين؟
هل سيعود النمط المتبع في مقاربة السياسيات الخارجية للولايات المتحدة كما كان عليه؟ وماذا عن الحرب التي تدور رحاها بين روسيا وحلف شمال الاطلسي في أوكرانيا؟ هل تشهد حلًا سياسيًا يقضي بتقاسم المصالح والنفوذ على قاعدة رابح –رابح أم تستمر الولايات المتحدة بدفع العالم نحو جبهتين كبيريين بين شرق وغرب ليسهل بعدها إدارة الصراع بين قطبين عوضًا عن عالم متعدد الأقطاب تصبح خلاله المصالح الأميركية أكثر تهديدًا؟