كوكب “تيك توك” اللبناني

غزت منصة الفيديو “تيك توك” عالم التواصل الاجتماعي بشكل مخيف وسريع جدًا، حيث حقق التطبيق إحدى أكبر الخطوات تميزًا في عالم التكنولوجيا، بعد أن أعلنت الشركة المالكة له أن شعبية التطبيق قد تخطت المليار مستخدم نشط حول العالم خلال الشهر الواحد.

ووسط هذا الصخب والانجذاب الذي شهده “تيك توك”، إلا أن مساوئ استخدامه لا تقل عددًا ولا أثرًا عن حسناتها، إن كان على صعيد الفرد أو الاسرة أو المجتمع، بل إنها أخطر بكثير مما يراه البعض، والشواهد والأدلة على ذلك كثيرة جدًا ومتنوعة، وأقرب وأوضح نموذج عنها بالنسبة لنا، هو المجتمع اللبناني لما يشهده من “ظواهر مدهشة” تثبت صواب ما ذُكر.

بين السيئ والحسن: كفة المساوئ راجحة
احتل تطبيق “تيك توك” المركز الأول عالميًا من حيث عدد المستخدمين لعامي (2020-2021) من بين منصات مواقع التواصل الاجتماعي الأخرى، فهو يتيح لمستخدميه إنتاج ومشاركة مقاطع فيديو قصيرة تتراوح مدتها من 3 ثوان إلى 3 دقائق، وقد تم إطلاقه عام 2017 في الصين، ليصبح متاحًا في كافة أنحاء العالم في آب 2018، حيث بات متوفرًا الآن بـ 39 لغة مختلفة تم تفعيلها.

يرى مختصون أن تطبيق “تيك توك” هو التطبيق الأكثر تفاعلًا بين التطبيقات الأخرى، لأن معظم مستخدميه مؤثرون مشهورون من المراهقين وفئة الشباب الذين يقدمون محتوى رائجًا دون أي تكاليف وربما من منازلهم الصغيرة.

هذا الإقبال الكثيف على التطبيق لم يُستخدم في الكثير من الأحيان بشكل صحيح وموجّه ولغايات حسنة ومفيدة، بل على العكس من ذلك فإن مقابل كل حسنة وجدت، أضعافًا مضاعفة من المساوئ الناتجة عن سوء الاستخدام وتفاهة وقباحة الأهداف.

يقضي مستخدمو “التيك توك” أكثر من ساعة ونصف الساعة يوميًا في تصفح التطبيق كحد أدنى، وفقًا لما أوضحه خبراء في هذا المجال، في حين قد تمتد هذه الفترة إلى ساعات عديدة دون الشعور بخطورة الأمر.

بالإضافة إلى ذلك، تشير الدراسات الإحصائية إلى أن غالبية المستخدمين أي ما نسبته 70% تقريبًا تتراوح أعمارهم بين 16 و24 عامًا، ما يعني أن حوالي 30% من مستخدمي التطبيق هم فوق الـ 25 عامًا. ووفقًا للاختصاصيين التربويين فإن الأبناء يتأثرون بشكل كبير بمقاطع الفيديو المعروضة وبمحتواها، والتي يقدر عددها بـ 13 مليون فيديو يوميًا، والجزء الأكبر منها هو ذو محتوى غير لائق وفاضح، في ظل وجود قصور في الرقابة والمتابعة من قبل الأهل.

ومن ناحية أخرى فإن ما يشهده مجتمع “تيك توك” من تقليد أعمى للغرب، عبر تقليد مقاطع الفيديو غير اللائقة وذات المعاني غير الأخلاقية، يعد كارثة أخلاقية ومجتمعية بحد ذاتها. بالإضافة إلى ذلك ثمة محتويات علمية مقدمة عبر ” تيك توك” هي غير موثوقة المصادر، وقد يلجأ أصحابها لنشرها فقط بهدف الشهرة وتحقيق المكاسب الشخصية.

وفي هذا المجال، تطول لائحة الأمثلة والمسوغات التي ترجح جميعها كفة المساوئ على حساب كفة الإيجابيات والأهداف ذات المنفعة والفائدة العامة.

“تيك توك” على الطريقة اللبنانية
كغيره من المجتمعات العربية والغربية، كان لتطبيق “تيك توك” وقعه على مختلف فئات المجتمع اللبناني، حيث ستجد في عالم الـ “تيك توك” اللبناني كل ما تطلبه، في المجتمع والثقافة والسياسة والدين والأدب والعلم والترفيه والمرح والسخرية والاحتيال وعالم القباحة أيضًا.

وقد تسببت المبالغة في إضاعة الوقت على منصات مواقع التواصل الاجتماعي وخاصة “تيك توك” ومتابعة المواد والمضامين التافهة التي لا تعود بأي فائدة على المشاهد، بخفض المستوى الثقافي والمعرفي لدى العديد من الشباب اللبناني وصولًا إلى الدرك الاسفل. ولا تعد كثافة الآراء التي يبديها الرأي العام اللبناني على منصات وسائل التواصل الاجتماعي في كل صغيرة وكبيرة دليلًا على وجود مستوى ثقافي رفيع، بل إنها تدل فعليًا على غياب المتابعة الواقعية للأحداث السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي نشهدها.

وعلى مقلب آخر، فقد جعل البعض من منصة “تيك توك” مساحة خاصة به لنشر جهله ووقاحته على الطريقة اللبنانية، وخير دليل على ذلك هو مشهد التنمر الذي قدمه أحد رواد هذه المنصة في مقابلة أجراها مع بائع الكعك الذي يكد ويتعب ويكافح لتأمين لقمة عيشه.

بالإضافة إلى ما سبق، فقد حذر مؤخرًا الأمن الداخلي اللبناني من عمليات خطف خارج الحدود اللبنانية حيث تلجأ عصابات الخطف إلى استخدام مواقع التواصل الاجتماعي ومنها “تيك توك” وذلك عن طرق الإعلانات التي ينشرها أفرادها على التطبيق المذكور، موهمين ضحاياهم أنهم يملكون مكاتب للمساعدة على الهجرة إلى الدول الأوروبية.

يكرّس المجتمع اللبناني وجوده “التيكتوكي” بكافة الأشكال والمظاهر المتاحة، حيث تشعر للوهلة الأولى أن كل ما يعانيه ويمر به اقتصاديًّا ومعيشيًا واجتماعيًّا هو من نسج الخيال، وسراب ليس لوجوده أثر، وهنا لا شيء يعول عليه سوى “الوعي” أو ربما ما تبقى من وعي ومسؤولية لدى هذا الشعب الذي يعيش الرفاهية الكاذبة والمعرفة الوهمية والأخلاق الافتراضية، بينما الواقع أشد بؤسًا وتعاسةً وجهلًا من كل ما ذُكر.

اساسيتيك توكلبنان