إيران في العراق: “نحن الأقوى” و”لا” لأميركا و”إسرائيل”

كما هو الحال في سوريا، كذلك في العراق حيث لا يختلف تعاطي “محور المقاومة” مع الوجود العسكري الأميركي، ردًا على الغارات التي تستهدف مواقعه بين البلدين.

وفي هذا السياق، يتوقف موقع “ستراتفور” عند تكرار المناوشات العسكرية بين واشنطن، وفصائل المقاومة العراقية في الآونة الأخيرة، والتي كان هجوم السابع من تموز/ يوليو الماضي أعنفها، حين تعرّضت قاعدة “عين الأسد” التابعة للجيش الأميركي، قرب الحدود السورية العراقية إلى الاستهداف بما لا يقل عن 14 صاروخًا. وبالتزامن مع الرسالة الميدانية القاسية، بعثت القوى المناهضة للوجود العسكري الأميركي برسالة أخرى ذات مضامين سياسية، لا تقل قساوة، تمثلت بإطلاق صواريخ على مبنى سفارة الولايات المتحدة في العاصمة بغداد. سبق ذلك، هجوم آخر عبر طائرة مسيّرة استهدف مطار أربيل، في إقليم كردستان العراق، الذي يستضيف قوات أميركية، والمصنّف كـ “منطقة آمنة” لنفوذ واشنطن. وفي كل الحالات، كان الجانب الأميركي يلمّح إلى اتهام “كتائب حزب الله”، و”عصائب أهل الحق” العراقيتين بالضلوع في تلك الهجمات.

ويشرح الموقع الاستخباري، أن الهدف من تكثيف الهجمات ضد مصالح واشنطن في العراق، ينحصر في زيادة الضغط على إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لتسريع وتيرة الانسحاب من البلاد، محذّرًا من أن تلك الهجمات تنذر بإمكانية حدوث تصعيد عسكري أكبر بين الأميركيين والإيرانيين.

ورجّح الموقع استمرار حلقات الرد، والرد المضاد بين واشنطن، وفصائل المقاومة العراقية، بعد تعهد أمين عام حركة “عصائب أهل الحق” قيس الخزعلي بمواصلة الهجمات ضد الأميركيين، معلنًا انتهاء مرحلة الهدوء التي سادت بين شهري نيسان/ أبريل/ وحزيران/ يونيو الماضي على هذا الصعيد.

الثابت أن المشهد الميداني المتفجر على الساحة العراقية غير منفصل عن الفصل الجديد في المواجهة “الإسرائيلية” الإيرانية. فعلى تلك الساحة تحديدًا، أجرى الحلف الإقليمي، الذي ترعاه واشنطن، أولى تجاربه العملانية على مشروع “حلف الشرق الأوسط للدفاع الجوي”، حين زعم مسؤولون أميركيون إسقاط مسيّرة إيرانية في شباط/ فبراير الفائت داخل المجال الجوي العراقي كانت في طريقها إلى فلسطين المحتلة. وفي سماء العراق أيضًا، كرّرت “إسرائيل” مسلسل انتهاكاتها لسيادة الدول العربية، حين ألمح رئيس الحكومة “الإسرائيلية” السابقة بنيامين نتنياهو إلى منحه الإذن لقيام سلاح الجو في صيف العام 2019 بغارات ضد أهداف تابعة للمقاومة العراقية في محافظة الأنبار، الواقعة على الحدود الغربية للعراق مع سوريا.

وإذا كانت إيران قد بدأت ترسي معادلة الرد على “العصب الأميركي” لكيان الاحتلال، في وجه اعتداءاته، إلا أن ثمة تقديرًا في “إسرائيل” بأن القيادة الإيرانية باتت لا تتورع عن توجيه ضربات علنية ضد تل أبيب، في حال حاولت الأخيرة تجاوز “قواعد اللعبة” مع “الجمهورية الإسلامية” وهذا بالضبط ما حدث حين تبنى الحرس الثوري الإيراني علانية هجومًا صاروخيًا طال مقرًا تابعًا لـ “الموساد” في مدينة أربيل في إقليم كردستان – العراق قبل أشهر.

فسرعة الاستجابة الإيرانية لـ “التهديد الإسرائيلي” الكامن على أرض العراق، عبر ضرب المقر المستهدف، فسّرتها مصادر دبلوماسية إيرانية على أنها تحذير لكل الجهات التي تستضيف قواعد “إسرائيلية” على أراضيها، ورسم “خطوط حمراء” في وجه مساعي تهديد الأمن القومي لطهران، التي سوف تتصرف وفق ما تمليه مصالحها الأمنية، والتي تشمل عدم انجرار العراق إلى أن يكون منصة لاستهداف إيران، عسكريًا وسياسيًا واقتصاديًا.

ولشرح دلالات الهجوم، أوضحت مجلة “ذي إيكونوميست” أن الضربة الصاروخية على إقليم كردستان العراق، الذي يعتبر حليفًا تقليديًا للغرب، وصديقًا قديمًا لـ “إسرائيل”، جاءت بدافع انزعاج طهران من انسياق بعض القوى الكردية مؤخرًا، وبالتعاون مع قوى سياسية عراقية أخرى، خلف الخطط الرامية إلى ضرب الحضور الإيراني في العراق، واستضافة الإقليم فعاليات سياسية هدف الترويج لـ التطبيع” مع تل أبيب، التي باتت الزبون الأساسي لنفط الإقليم. وفي دلالة لافتة، طاول الهجوم مزرعة تعود لأحد أبرز رجال الأعمال الكرد في قطاع النفط، وهو باز كريم بارزنجي، الذي يملك صلات وثيقة برجال أعمال “إسرائيليين”، إضافة إلى استهداف محطة تلفزيونية مملوكة لعائلة برزاني الحاكمة في الإقليم. وبحسب المجلة البريطانية، فقد جاء الهجوم تعقيبًا على أنباء عن تعرّض مصنع للطائرات المسيّرة بالقرب من مدينة كرمنشاه الإيرانية قبل أشهر قليلة، لهجوم من قبل سلاح الجو “الإسرائيلي”، ولإيصال رسالة إلى آل برزاني، مفادها أن الحضور الإيراني في العراق يعد “أحد الأصول الاستراتيجية الأساسية” لطهران، وأن الأخيرة “لن تسمح لآل برزاني بأخذ العراق بعيدًا إلى مكان آخر”، في إشارة إلى رغبة حكومة الإقليم بالتقارب مع “إسرائيل”.

بدوره، يذهب المحلل السياسي الكردي إلى تقدير أن الرسالة الإيرانية لآل بزراني مفادها أن “العراق يدور في فلكنا، ولا يمكن لأميركا أو إسرائيل حمايتكم”.

وضمن الإطار نفسه يشير “معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى” إلى أن فصائل المقاومة العراقية بدأت من العام 2020، لإعداد نفسها من أجل استهداف الوجود الأميركي في منطقة الخليج، وأهداف تابعة لحلفاء إقليميين لواشنطن هناك، كالإمارات، والسعودية. ويشير المعهد إلى محاولة فصائل عراقية مؤخرًا، شن هجوم على قاعدة “علي السالم” في الكويت، كتطور استراتيجي ملفت على مستوى بنك أهداف المحور الإقليمي، المدعوم من قبل طهران.

على المقلب الأميركي من هذا الفصل الجديد في الواقع العراقي، تشير تقديرات وزارة الدفاع الأميركية، إلى أن الحضور العسكري الأميركي داخل العراق، والمقدر بنحو 2500 جندي، سيكون كافيًا لأداء مهمة التصدي لنفوذ طهران، وتدريب القوات المسلحة العراقية على مكافحة “تنظيم داعش”.

مع ذلك، وربطًا بالتوترات العسكرية الأخيرة على الحدود السورية العراقية، يشكّك مسؤولون في وزارة الدفاع الأميركية بمدى التزام الإدارة الأميركية بالحفاظ على “الخطوط الحمراء” هناك، في التعامل مع إيران، لدى تعرض الجنود الأميركيين للخطر، لافتين إلى خشية بايدن من الانجرار خلف تصعيد غير محسوب مع إيران، يمكن أن يقوّض الهدف الدبلوماسي الأوسع لإدارته، والمتمثل بالإبقاء على حظوظ العودة لاتفاق فيينا، الموقع بين طهران، و”السداسية الدولية”

كذلك، لا يبدو البيت الأبيض في وارد اتخاذ إجراءات تصعيدية ضد فصائل المقاومة في العراق، تلافيًا لإحراج حكومة مصطفى الكاظمي، في ظل ظرف سياسي وأمني دقيق تمر به البلاد، وسط مطالبات متجدّدة من قبل قوى سياسية عراقية بضرورة انسحاب القوات الأميركية من هناك.

يحيلنا هذا التباين في مقاربة ملف العلاقة مع بغداد، إلى الصراع داخل أروقة الإدارة “الديمقراطية” بين وزارة الدفاع التي تصر على أهمية الحفاظ على مكتسبات واشنطن في العراق، باعتباره شريكًا أمنيًا رئيسيًا للولايات المتحدة، في حين يعتبر مسؤولون رفيعون في إدارة الرئيس بايدن أنه فات أوان الاستثمار العسكري والأمني في مكافحة النفوذ الإيراني هناك، لأسباب تتعلق بأن فصائل المقاومة المسلحة الحليفة لطهران، تتمتع بتمثيل سياسي واسع، كما أن أفرادها مندمجون في عداد المؤسسة العسكرية العراقية، التي تتلقى دعمًا مباشرًا من الولايات المتحدة، فضلًا عن عدم قدرة الأخيرة على إرسال قوات قتالية بأعداد كافية لتقويض نفوذ طهران الإقليمي في ضوء سعيها لاستكمال استراتيجية “التوجه نحو منطقة الباسيفيك”.

من جهته، يعتبر مساعد وزير الخارجية الأميركي السابق ديفيد شينكر، أنه لا يمكن للولايات المتحدة الحصول على ما تريد في العراق، وتحصيل مكاسب أفضل في ذلك البلد، من خلال الاكتفاء بإلقاء اللوم على إيران.

ويلمح الباحث في “معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى” إلى أهمية الضغط على الحكومة العراقية في “تقييد عمل الميليشيات المدعومة إيرانيًا”.

بالتوازي، تحذّر مصادر عراقية من مخططات سياسية، تحت عناوين إنسانية، تقودها واشنطن داخل المناطق الغربية، والشمالية في البلاد، من أجل إعادة تحريك “الورقة السنيّة” لإعادة خلط الأوراق على الساحة العراقية.

وفي المحصلة، تخوض الولايات المتحدة وحلفاؤها، لا سيما بعض القوى المحسوبة على المكونين السنّي، والكردي، معركتها تحت عنوان “مكافحة النفوذ الإيراني” بأدوات متنوعة، فيما يدفع حلفاء طهران، خصوصًا القوى السياسية المنبثقة من “الحشد الشعبي”، إلى إخراج القوات الأميركية.

اساسياسرائيلايرانسوريا