د. زكريا حمودان – خاص الناشر |
لا يختلف اثنان في أن مراكب الموت المؤلمة عنوانها الرئيسي فئة محددة من تركيبة الشرق الأوسط، ألا وهم أبناء الطائفة السنية.
ما يحصل ليس محض الصدفة، فالصراعات الجيوسياسية لها أثر كبير في منطقة الشرق الأوسط. من هنا الأثر الأكبر أتى نتيجة أداء الفاعل السني في المنطقة والمشاريع التي سار بها في ركب التطبيع تحت الإدارة الأمريكية-الإسرائيلية.
لم تكن أهداف مشروع الشرق الأوسط الجديد بالأهداف الخفية على أحد، كما أن الشراكة الخليجية-الأمريكية كانت علنية ومشاريعها داخل كل دولة كانت واضحة، بدءًا بالعراق، مرورًا بلبنان وصولًا إلى سوريا.
المؤسف في الأمر أنَّ العامل المشترك بين هذه الدول كان أبناء الطائفة السنية بشكل رئيسي والذين تم استخدامهم كوقود من أجل تحقيق أهداف اللوبي الخليجي-الأميركي-الإسرائيلي، طبعًا من حيث لا يدرون، خاصة أن تاريخهم لم يكن يومًا إلا ناصعًا بالمواجهة ومقاتلة المحتل.
لعب الإعلام العربي والغربي دورًا مُهمًا في هذا الإطار وساهم بشكل كبير بتحوير صورة الصراع دائمًا باتجاه الصراع المذهبي السني-الشيعي. في المقابل دحضت التجارب في الميدان هذه الصورة المشوهة، فغرق أبناء الطائفة السنية في بحور ما تم تركيبه لهم من مشاريع الخليج التطبيعية.
في العراق، لم يكن الدور السعودي والخليجي بريئًا أبدًا، بدءًا بتغطية الغزو الأميركي من جهة وصولًا إلى تحويل البوصلة باتجاه تصفية حسابات داخلية ضد المؤيدين لإيران من جهة ثانية. في المقابل لعبت إيران الدور الإيجابي في الإبقاء على التوازن الداخلي في العراق ونجحت في تحصين الساحة العراقية بشكل كبير كما نجحت في تثبيت دورها كفاعل أساسي يتقدم على الغطرسة الأمريكية التي أخذت الضوء الأخضر الخليجي لالتزام ثروات العراق، فيما تعرض أبناء الطائفة السنية لنكسات الفشل الاستراتيجي بسبب السير في ركب مشروع لا أفق له سوى تطبيق مشروع تقسيم العراق الذي طرحته الإدارة الأمريكية علنًا، والذي عرف وقتها بمشروع الشرق الأوسط الجديد والذي روجته وزيرة الخارجية الامريكية حينها كونداليزا رايس.
أما في سوريا، فكان رفض الرئيس بشار الأسد لمشروع الشرق الأوسط الجديد بمثابة بداية تحريك الساحة الداخلية السورية. وهنا لا بُدَّ من العودة إلى جميع الاغراءات التي قُدمت للرئيس السوري حينها من أجل التخلي عن محور المقاومة والسير في ركب التطبيع. عندما فشلت جميع العروضات هذه، كان لا بد من دس السُم الإسرائيلي بأيادٍ خليجية بدءًا من الساحة السنية في سوريا.
أما في لبنان فكان الدور الابرز الذي لعبه متعهدو السياسة الخليجية من السُنة في عمليات السرقة الممنهجة للأموال التي أتت وكانت تهدف إلى بناء بنية سُنية قوية، بالرُغم من النوايا الخبيثة لتلك البنية والتي كانت تهدف إلى ضرب قوة المقاومة المنتصرة في حرب تموز. فلم ينجحوا ببناء بنية سنية قوية من جهة، وأسقطوا أبناء الطائفة السنية في البحار بسبب سياساتهم التي تشبه مشاريعهم سواء على مستوى الشكل والذي لا يمكن وصفه الا بالغوغائية، أو المضمون الذي هو إسرائيلي بامتياز.
المحاولات التي لا تنتهي لدول الخليج ضمن الساحة السنية لم تتوقف، وها هم أبناء الطائفة السنية الذين اجتاحوا ساحات ما سمي حينها بثورة ١٧ تشرين يتسابقون لرمي أنفسهم وأبنائهم في مراكب الموت كنتيجة واقعية لأداء متعهدي السياسة الخليجية-الاسرائيلية في لبنان. أما منظرو إستراتيجيات العداء لمحور المقاومة، وبعدما ضاقوا ذرعًا بالجلوس أسفل الطاولة مع حليفهم الاسرائيلي، فقد خرجوا واضعين أبناء الطائفة السنية برمتها أمام الأمر الواقع، العداء لإيران والسير نحو التطبيع.
حصيلة سياسات محور الموت الخليجي-الاميركي-الاسرائيلي كانت إفقار وتهميش وإغراق أبناء طرابلس، وعكار، والضنية، وحمص وادلب ودرعا ودير الزور وغيرها من المناطق التي تزخر بأبناء الطائفة السنية وبعض إخوتهم من العرب. هكذا سارت الأمور حتى تم إغراق أبناء الطائفة السنية في البحار.