كتاب “كليلة ودمنة” لمن لا يعرفه يحتوي على مجموعة حكم وأمثال بأسلوبٍ خرافي من جذورٍ هندية ونصوصٍ سنسكريتية ترجم إلى العربية من قبل “عبد الله بن المقفع” في العصر العباسي من القرن الهجري الثاني (الثامن ميلادي) وهو يحتوي على حكم وأمثال بلسان الطيور والحيوانات كتبها الفيلسوف “بيدبا” لملك الهند “دبشليم”.
في إحدى قصصه قال دبشليم الملك لبيدبا الفيلسوف: “أتحفنا بقصص الإفرنج مما يفيد هذا الزمان والأجيال في كل مصرٍ وآن”، فقال: “إنَّ ضفدعًا كان في بعض الغُدران، فرأى ثورًا يعُبُّ من ماء الغدير، فاعتقد أنه إن أكثر من شرب الماء، بحجمه يصير، وشرب من الليل حتى السَّحر فدهمته نوبة نعيقٍ ثم انفجر، ويا صاحب الجلالة والنعيم، نحن اليوم في عصر الضفادع الذميم، حيث كل ضفدعٍ صعلوك صغير يطمح بأنَّ ثورًا يصير، ويا قاهر الطغاة، نحن أيضا في زمن الانفجارات حيث الصعاليك من المدَّعين يحملهم أذنابهم على الراحات، ثم يحصل لهم ما حصل للضفدع المسكين ويصيرون في زمن هيهات، فكلما تسمع دويًّا يتردد صداه عند السحر بعد نعيق، لا تعتقد أنه هجوم بالمنجنيق أو أن عدوًا قد غدر، بل إنه ضفدعٌ قد انفجر”.
تنطبق هذه القصة على صبية السياسة في لبنان الذين زاد نعيقهم في الأيام الماضية وأرعدوا وأزبدوا وتطاولوا وتناطحوا وتنافسوا في إبراز مكنوناتهم الدفينة وأحقادهم القديمة المتجدّدة في وجه الآخرين، يملون عليهم ما يمكن أن يكون أو ما به يسمحون وقاحةٌ قل نظيرها وفاتهم أنَّ ذاكرة الناس حيَّةٌ ناشطةٌ لم تتآكلها الأيام ولا السنون.
يحدثونك عن السيادة والفساد والقرار الحر والدوس على الدولة والسلاح غير الشرعي والرئيس الذي يشبههم وفاتهم أنّهم هم أبناءُ المدرسة السياسية الأولى الفاسدة والأحزاب الطليعية في الدوس على السيادة الوطنية بعمالتهم وارتباطهم بالعدو الصــهـــــيوني منذ نشوء الكيان الغاصب في فلسطين، هم الحزب الأول دون منازع في مجال الفساد والرشوة والصفقات المشبوهة، وصفقات كبيرهم في مروحيات البوما وجوازات السفر وفضائح سامي مارون وروجيه تمرز وانهيار الليرة اللبنانية والبراميل السامة (16 ألف برميل) وطمرها في الجبال وانفجار عدد منها في مستودع في فرن الشباك صيف العام 1986 وسقوط العديد من الضحايا البريئة أوضح مثال، هم الأحزاب المتقدمة على غيرها في انتهاك سلطة الدولة والإدارات الرسمية وإنهائها في مناطق سيطرتها وقتل جنود وضباط الجيش اللبناني وبدعة الإدارة المدنية والمرافئ غير الشرعية وزراعة وتصنيع وتهريب المخدِّرات من مآثرهم وجمع الخوات من الناس على المعابر والحوض الخامس في مرفأ بيروت كلها أفعالٌ ما زالت في الذاكرة.
أمّا سلاحهم غير الشرعي والذي هو من عطايا الإسرائيلي لهم، والذي كان بغرض الاقتتال والفتنة والانقلاب على الكيان، فحدِّث ولا حرج، وكانت أولى طلائعه في ارتكاب مجزرة بوسطة عين الرمانة في 13 نيسان 1975 والتي أدخلت البلاد والعباد في دوامة من العنف والدماء والقتل والمجازر ما زالت تردداتها ونتائجها تشرذمًا وتفرقة وعنصرية وطائفية حتى يومنا الحاضر. أحزابهم التي كانت طليعة المرتزقة المتعاملين مع العدو الإسرائيلي ورأس حربة المشروع الصهيوني في المنطقة ولقاءات التنسيق في حيفا منذ الشهور الأولى للعام 1976، وحين كان الجدُّ والأبُ والعمُّ وأركان الجبهة اللبنانية والرفاق والأصحاب يشربون الأنخاب مع كلٍّ من شارون وإيتان وضباط العدو الإسرائيلي على شرفات القصر في بكفيا وهم يشاهدون تدمير بيروت وإحراقها في العام 1982.
البعض من اللبنانيين وقحٌ حتى الغثيان يعتقد أنَّ الناس مصابة بالنسيان ويحتاجُ دائمًا لأن تذكّرهم بعارهم وشنارهم وعمالتهم وإجرامهم، وأن توجِّه لهم السؤال المعتاد ولأمثالهم لتذكيرهم بتاريخهم الأسود الدامي البغيض المليء بالإجرام والقتل والعمالة. وكلام الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله (حفظه الله) خيرُ الكلام في معرض خطابٍ له يومًا كانت قد تعالت فيه أصواتٌ قبيحة تطاولت على المقاومة ودورها ووطنيتها، فجاءهم الرد الساحق والذي يصلحُ لكلِّ زمانٍ ومكان: “من يريد أن يتهمنا لن نتواضع له بعد اليوم ونقولُ له: إنت مين، شو تاريخك، إنت وين كنت ومع مين كنت وحليف مين كنت وبأيا موقع كنت؟ إنت شو علاقتك بالسفارات وبالإسرائيلي وبالأميركاني وبالأجنبي؟ نحن أشرف وأرفع وأرقى وأنقى وأصفى وأطهر وأخلص وأكبر من أن يجرؤ أحد على اتهامنا بخلفياتنا الوطنية”. إنتهى كلام الأمين والسلام.
في الأيام الماضية تصاعدت حدّة الخطاب العنصري البغيض وبدأ البعض يطرح أفكارًا وأوهامًا وأضغاث أحلام. ظهرت التحديات وتزايدت أكثر فأكثر المخاطر الوجودية والكيانية للبنان بصيغته التوافقية القائمة، وأطلقت التهديدات والجعجعات وأطلَّت المشاريع التقسيمية برأسها في فلتات ألسنة صغارهم. فقط الأقوياء والأذكياء هم القادرون على تحويل التهديدات إلى فرص، لذا السؤال هل نحن أمام تلك الفرصة المنتظرة؟ نعم ولمَ لا؟! فهم بغبائهم وحقدهم السياسي يدفعون الأمور نحو صدامٍ سيؤدّي حتمًا إلى مؤتمرٍ تأسيسي وعقدٍ اجتماعي جديد يأخذهم إلى مزيدٍ من الخسارات والانكسارات بسبب خياراتهم الخاطئة في التكتيك والإستراتيجيا كما وسيؤدِّي بالمسيحيين في لبنان والشرق إلى مزيد من تراجع الدور والانحسار والذوبان والهجرة.
أمام ما نراه من صبية في السياسة يتصدرون المشهد العام يتحسّرُ اللبنانيُّ ويتأسّف على أحوال الطائفة المارونية الكريمة وغيرها في هذا البلد ويسأل: أين هي القامات في السياسة؟ وأين رجالات الفكر واللاهوت والدين والأخلاق والاجتماع وأهل العقلانية وبُعد النظر وأركان التعايش والشراكة الوطنية والعداء لـ”إسرائيل”؟ والفرق كبير بين زعيمٍ كذّاب يقودُ قطيعًا من النِّعاج المضللة وقائد صادق يقودُ جيشًا من الشجعان المخلصين حيث جاء في إنجيل يوحنا عن نبي الله عيسى (ع) أنَّه قالَ: “أَنا الراعي الصالح، الراعي الصالح يبذِلُ نفسَهُ في سبيلِ الخِراف وأَمَّا الأجيرُ وهو ليسَ براعٍ وليستِ الخِرافُ لهُ، فإِذا رأَى الذئبَ مُقبلًا، تَرَكَ الخِرافَ وهَرَب “. وهكذا أنتم وكعادتكم ستتركون النَّاس لمصيرها وستهربون، ومن يعش يرَ.