كان لافتاً توجه رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، أثناء مؤتمره الصحفي الأخير، الى رئيس حزب القوات سمير جعجع، بالقول: “هل تعتقد يا جعجع أنّك تخفي جريمتك بسكوتك (…) أو أنّك ملهي بتعمير القلعة من الخوات والـFundraising والمال السياسي وبيع الكرامة والحقوق؟”.
فتح كلام باسيل الباب واسعاً أمام التكهّنات والمرامي، وانشغل البعض في تفكيك تشفير الرسالة ومعانيها، خصوصاً في ظل انسداد الأفق في وجه أي حلول على خطّ تذليل العقبات الحائلة دون إبرام اتفاق بشأن الحكومة المنتظرة، مع ما يعنيه هذا الاتفاق من انفراجة سياسية داخلية معطوفة على “قبّة باط” خارجية من شأنها أن تمنح اللبنانيين مخرجاً من عنق الزجاجة التي أوجدتهم فيها تقاطعات داخلية وخارجية أنتجت إقفالاً محكماً للمسارات السياسية والاقتصادية المعيشية.
مصادر متابعة قالت لـ”الناشر” إن كلام باسيل يمكن وضعه في إطار التحذير من نوايا مبيّتة لدى جعجع لاستثمار الفوضى السياسية والاجتماعية العارمة في البلاد، وغياب الدولة شبه التام، لمحاولة السيطرة مرة جديدة على القرار المسيحي. ويعكس قلقاً لدى التيار الوطني الحر والشارع المسيحي عامة، من عودة عقارب الساعة الى الوراء في ما خص طبيعة الدور الذي يمكن أن يضطلع به سمير جعجع على مستوى الساحتين المسيحية والوطنية، إذ يقدّم جعجع نفسه الأقوى على الساحة المسيحية خصوصاً واللبنانية عموماً نتيجة خياراته ورهاناته الإقليمية والخارجية. وأشارت المصادر إلى أن رئيس القوات يراهن مرة جديدة على إصرار السعودية على تغييب رئيس تيار المستقبل سعد الحريري عن المشهد السياسي اللبناني، والفيتو القوي الذي ترفعه الرياض في وجه التيار الوطني الحر بشخص رئيسه جبران باسيل.
القلعة التي يبنيها جعجع في معراب صارت محط تكهّنات كثيرة، مصادر صحافية عديدة تحدّثت عن تحويل معراب وموقعها الجغرافي معقلاً مسلحاً للقوات، فيما التدريبات التي تنظمها قيادة القوات للمنتسبين في صفوفها لم تتوقف يوماً. المصادر المعنية تتحدث عن سلاح متنوّع تتلقاه القوات تباعاً من دول إقليمية. الحديث عن تسلّح القوات تخطى جزئية السلاح الفردي، ليصل إلى السلاح المتوسط والثقيل.
من هنا، تربط المصادر غمز باسيل من قناة “القلعة”، وتعتبره قراءة دقيقة للمشهد، إذ يتحضر جعجع لخوض مغامرة قد تمهّد لها الظروف السياسية والأمنية في مرحلة ما. وفي حين أن التيار الوطني الحر لا يمتلك القدرة على خوض مواجهة مسلحة مهما كانت حجمها ومداها، يعتقد جعجع أن انتظار لحظة داخلية – إقليمية قد تحمله إلى بعبدا، شبيهة باللحظة التي أتت ببشير الجميّل، تستحق التحضّر والجهوزية. وفي حين يبقى رهان الطرف الآخر على الجيش اللبناني، في مشهد شبيه بالـ1989 والـ1990، تقول المصادر إن الجيش اللبناني قد يكون قادراً على الحدّ من أي توتر قد ينشب في هذا السياق، لكنها تلفت الى الاعتبارات السياسية والارتباطات الأخرى التي قد تكبّل الجيش من أن يكون صمام أمام في سينايو مشابه فيما لو وقع.
وفي حين تضع المصادر ما تقدم في خانة قراءة الإشارات والرسائل، تلفت إلى أن السيناريو الذي قد يكون جعجع في صدد التحضير له، غير سهل ودونه صعوبات ومعوقات كبيرة. غير أن الكلام عن تسليح القوات وتحضير جعجع حزبه لمواجهات عسكرية ربطاً بالمحاور الإقليمية ليس وليد الخيال، فقد نقلت جريدة الأخبار (الثلاثاء 13 تشرين الأول 2020) كلاماً قاله جعجع لرئيس الحزب التقدمي الاستراكي وليد جنبلاط على مأدبة في منزل النائب نعمة طعمة: “لدي 15 ألف مقاتل، ونحن قادرون على مواجهة الحزب الذي بات يعاني من ضعف كبير، نتيجة الأوضاع في لبنان وفي الإقليم”. وأضاف جعجع: “نحن اليوم أقوى مما كنا عليه أيام بشير (الجميل)، وحزب الله أضعف مما كان عليه أبو عمار (ياسر عرفات)”، مؤكداً أنه مدعوم من الولايات المتحدة الاميركية، ومن السعودية والإمارات العربية المتحدة ودول أخرى. أما حزب الله، برأي رئيس “القوات”، فيعاني ويقدّم التنازلات لأنه أضعف ممّا كان عليه يوماً.