عندما يتمادى البعض في العمالة للعدو.. أحزابٌ مرتهنة وإعلامٌ أجير

أصبحت أنشودة ينشدها أطفالٌ بعمرِ الورود في الساحات لإمامهم الموعود يبثونه شوقهم وحبّهم وانتظارهم موضع تهمة انتماء وشبهة بالوطنية، وكيس من الخبز على رفٍّ من رفوف دكان بقالة في منطقة كسروان موضع خوفٍ ورهبةٍ من الآخر وغزوًا ثقافيًّا وتبديلًا في القيم اللبنانية العريقة وعبثًا بالجغرافيا والديموغرافيا وضربًا من ضروبِ التغيير في الهوية السامية للفينيقيين وأحفادهم في لبنان، وتجاوزًا لحدود الطوائف ومناطقها المصطنعة في النفوس تستوجب استنفارًا مذهبيًّا وطائفيًّا ومناطقيًّا تنتفخ فيه الأوداج حنقًا وغيظًا واستثارةً للعصبيات العرقية والدينية، وتُنزِلُ مجاميع السياديين إلى الميدان بقضِّهم وقضيضهم من إكليروس وثوريين غبَّ الطلب ومهزومين تاريخيين أحدثوا لأهلهم ومجتمعهم النكبة تلو الأخرى والتهجير تلو التهجير بسبب رهاناتهم الخاطئة على الأمريكي والإسرائيلي.

لا يخطر على بالك أنَّك ذاك الآخر – الشريك في المواطنة قد تسببت بهذا الكمّ الهائل من القلق للبعض من ضعاف النفوس أسرى قواقعهم المذهبية الضيِّقة، أنت ذاك الآخر الذي لم يكن يومًا شريكًا في صراعات الوطن الطائفية والمذهبية ولا رسَّام خطوطٍ على خرائطهم التقسيمية للوطن، بل بذل الأرواح الندية وأهرق الدماء الطاهرة حتى سالت سواقيَ دفاعًا عن أمن وأرواح وأعراض ذاك المترقِّب المأزوم والكئيب والمتربِّص شرًّا بشركائه في المواطنة في أكثر من ميدان.

أحزابٌ مرتهنةٌ تلعب بعواطف جمهورها تأخذه يمنة ويسرة وفقًا لمشاريعها المشبوهة في النيل من وحدة الكيان وتعايش اللبنانيين فيه وجزءًا من دورها الحالي استكمالًا للماضي وهو إغراق الوطن بصراعاتٍ تجاوزتها الناس منذ أمدٍ بعيد ولكن يعادُ استنساخها واستحضارها بما يخدم أهدافًا دفينة تعيدُ منطق التعصُّبِ الأعمى والانعزال والغيتوات وخطوط التماس والفيدرالية والكانتونات.

لا تخلو موعظةً دينية أو لقاء سياسيّ أو خطاب لهم أمام المحازبين من التحريض والتخويف والتعبئة المغلوطة والدس للأفكار المريضة الموروثة من حقبة الاقتتال الأهلي الداخلي إمعانًا في تفتيت النسيج الوطني الداخلي وزرع بذور الشقاق بين مكونات المجتمع بما لا يبشرُ بخير ويعطينا فكرة واضحة عن الجيل الآتي من اللبنانيين الجُدُد المفترض أن يكونوا بُناة الوطن وحماته.

في حوارٍ مع مجلة “الأسبوع العربي” في السابع والعشرين من ايلول / سبتمير 1976 “يقول سماحة الإمام المغيَّب السيد موسى الصدر (أعاده الله سالمًا).. التعايش أمانة حضارية تاريخية… إنه إرادة الاديان كلها… ويتجاوز اختيار اللبنانيين. فهو قدرهم يجب القبول به وتحضير سبله وإقراره “.

في الإعلام الأجير والمقنَّع المجبول بالكراهية لا تخلو وسيلة إعلامية مرئية ومسموعة ومقروءة ومنصَّات تواصل اجتماعي وذُبابه ومواقع إلكترونية محسوبة على شعب فينيقيا وسائر المشرق وأحفادهم من السياديين الجدد والثوريين حتى الثمالة على جدول مدفوعات السفارة في عوكر والرعاة غير الصالحين الذين فاحت رائحة عنصريتهم البغيضة، مما يبشّر صُبح مساء بالتحرير الآتي من وراء الحدود والبحار بوجه ذاك الآخر الذي لا يشبههم، الغريب الذي لا يشبه شكلهم ولا منطقهم ولا حتى في لباسه، وهو الأكثر منهم تجذّرًا وانتماءً وبقاءً في هذا الوطن الصغير. نعم الشيء الوحيد الذي لا يشبههم فيه هي كرامته ووطنيته وعزة نفسه التي لا تشبه ما بقي من قطرات ماءٍ ذليلة على وجوههم والمراقة على أعتاب سفارة هنا وخيمة سفيرٍ هُناك، كل ذلك فقط لأنَّ ذاك الآخر رفض ذلهم المقيت وأراد لهم العيش بكرامة وحرية وسيادة وتعايش وطني واستقلال ناجز دون وصاية من أحد.

يتابعُ إمامُ التعايش والوحدة الوطنية السيد موسى الصدر (أعاده الله سالمًا) ويقول في حديثٍ لوفد نقابة المحرِّرين في السابع عشر من كانون الثاني / يناير 1977 ” .. فإذا سقطت تجربة لبنان (التعايش) سوف تُظلم الحضارة الإنسانية لمدة 50 عامًا على الأقل، لذلك نقول إنّ لبنان في هذه الفترة ضرورة حضارية أكثر من ذي قبل، لذلك فليسمح اللبنانيون لنا بأن نقول إنّ التعايش أمانة بيد اللبنانيين ومسؤوليتهم وواجبهم، وليس حقهم فحسب..”.

إنَّ العمالة للعدو الإسرائيلي ليست وجهة نظر كما يحاول البعض تصويرها، بل هي طعنةٌ في صميم القيم الإنسانية والأخلاقية والانتماء الوطني لهذا الكيان حيث لا يمكن أن تتعايش مع همجية العدوان ومطامعه وأهدافه التوسعية في الأرض والسماء والمياه، وهذه الأحزاب المرتهنة والإعلام الأجير يسير في ركاب مخطط هذا العدو بل يشكِّلُ فرقة استطلاعٍ له خلف خط الجبهة المتقدمة في التصويب على الآخر ومحاولة محاصرته وتوهينه وإضعافه. لست أدري عن أي وطنٍ يتحدثون وأي كيانٍ يريدون، لبنان القوي الحر السيد المستقل المقاوم بوجه العدو الإسرائيلي العصيِّ على الاحتلال وأطماعه والتطبيع والانزلاق نحو السلام الموهوم، أم لبنان الخانع الخاضع لإملاءات المبعوثين من رعاة هذا العدو وحماته.

إننا نعيش ظروفًا دقيقة وحسَّاسة أولها وأهمّها المواجهة القادمة مع العدو الصهيوني الذي يبشرنا كل يوم بعدوان شامل وحربٍ مدمِّرة، ويتوعدنا بالويل والثبور وعظائم الأمور واستهدافٍ لكل الوطن من شماله إلى جنوبه وشرقه وبحره بشعبه وجيشه ومقاومته، والسؤال الأكثر حيرةً وألمًا سيكون حينها: ما دور ذاك الإعلام الأجير والمحرِّض كل يومٍ على الشركاء في الوطن؟ هل سيبررُ العدوان ويصفِّقُ له؟ هل سنرى تلك الأحزاب المرتهنة تمشي في ركاب الإسرائيلي كما فعلت سابقًا في اجتياحاته المتكررة؟

ذاكرتنا ليست مثقوبة بل إنها مليئةٌ بصور بشاعة عمالتهم وارتهانهم للعدو، وفي مثل هذه الأيام من العام 1982 ومشاركتهم له في حصاره لبيروت عاصمة المقاومة وتدميرها ومجازره بحقِّ الآمنين الأبرياء في صبرا وشاتيلا، هو تذكيرٌ بتاريخهم الكريه، فلننتظر، إِنّ غَدًا لنَاظِرِهِ قَرِيبُ.

اساسي