هي ليست مقالة تحريضية أبدًا، ولا أريد أن تحتسب كذلك، إنما هي لتوصيف حالٍ عايشها اللبنانيون الجنوبيون منذ قدوم قوات الطوارئ الدولية تحت قراري مجلس الأمن حاملَي الرقم 425 و 426 بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان في آذار / مارس من العام 1978، هذا القرار الأممي الذي صدر بناءً على طلب الحكومة اللبنانية والذي نص على تشكيل قوة مؤقتة تابعة للامم المتحدة تخضع لسيطرتها أي سيطرة الحكومة اللبنانية و” .. تعمل في جنوب لبنان بقصد التحقق من انسحاب القوات الإسرائيلية وإعادة السلام والأمن الدوليين ومساعدة حكومة لبنان على تأمين عودة سلطتها الفاعلة إلى المنطقة، على ان يتم تشكيل القوة الدولية من أفراد من دول أعضاء في الأمم المتحدة ..”.
عادةً تقوم الأمم المتحدة بإرسال قوات دولية إلى مناطق النزاع حول العالم لوقف الاقتتال والتحارب والفصل بين المتقاتلين وإحلال السلام والهدوء ومراقبة الأعمال الحربية والتحقق من الخروقات والمساعدة على ترسيم الحدود ومنع التعدي على طرفيها. وتعمل هذه القوات عادة تحت سلطة الدولة المنتدبة إليها وتنسق كل أعمالها وأنشطتها وبرامجها الأمنية والاجتماعية والتنموية مع السلطات الرسمية والمحلية في البلد الذي تتواجد فيه، ولأجل ذلك قدمت تلك القوة الدولية إلى جنوب لبنان.
انتشرت هذه القوة في منطقة جنوب الليطاني في القرى والبلدات التي انسحبت منها قوات الاحتلال الإسرائيلي آنذاك والتي انكفأت نحو ما سمّي فيما بعد بـ”دويلة سعد حداد”. كانت هذه القوة تسجل الخروقات والاعتداءات من قبل العدو الصهيوني وتسجّل عدد الآليات والدبابات التي تمر على نقاطها في طريقها للاعتداء على القرى الجنوبية الآمنة – دور هامشي غير فاعل لم يمنع عدوانًا أو اجتياحًا بل كانت فقط تتفرج على تقدّمِ قوات وآليات العدو كما حصل في اجتياح العام 1982 وتجري تعدادًا للآليات والجنود والمعدات العسكرية مع عدم القدرة على منعها من العبور – وبعد تسجيل هذه الخروقات ترفعها في تقارير إلى الأمم المتحدة في نيويورك والتي كانت تصدر بيانات تؤكد على احترام سيادة الدول ووقف الخروقات والاعتداءات من كل الأطراف دون تمييز بين المعتدي والضحية، وكان الله يحب المحسنين. كما عملت هذه القوات وتعمل على دسِّ السمِّ في الدسم من خلال تنفيذ سلسلة من البرامج التنموية والاجتماعية والصحية والتدريبية في القرى المنتشرة فيها بهدف تعزيز العلاقة مع البيئة المحلية تعزيزًا للعلاقات الاجتماعية وتمهيدًا وتسهيلًا لدورها الأمني والاستخباري في المنطقة.
مدد مجلس الأمن الدولي ولاية قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان بناءً على طلب الحكومة اللبنانية لسنة أخرى بقرارٍ رقمه 2650، ومرَّ تعديل مهام القوات الدولية في جنوب لبنان بصمت دون أي تعليق من الجهات الرسمية المعنية، وكانت استفاقتهم متأخِّرة من سبات عميق سمح بالدوس على السيادة الوطنية ونزل نزول الصاعقة على رؤوسهم، وتفاوتت التصريحات بين مستنكرٍ ورافض وبين متريِّثٍ حتى جلاء الأمور وآخر صامت صمت المتواطئ في تمرير القرار المشبوه حيث ضاعت المسؤولية في ذلك ما بين البعثة في نيويورك ووزارة الخارجية ورئاسة الحكومة اللبنانية في بيروت، وبدا أنه يتيمٌ لا أب له ولا أم، هذا القرار (التعديل الأخير) الذي أقرَّته الهيئة العامة في الأمم المتحدة والبعثة اللبنانية غائبة عن الوعي دون القيام بأي جهد يذكر لإحباط هذا الفعل بالتنسيق مع الدول الصديقة في مجلس الأمن وعلى رأسها روسيا والصين مما يتيح لهذه القوات الدولية القيام بأي عمل أمني دون التنسيق أو المشاركة أو الرجوع إلى موافقة الجيش اللبناني من نصبٍ للحواجز وتسيير للدوريات ونصب نقاط طارئة للتفتيش والتعقب والاعتقال عند اللزوم والقيام بمداهماتٍ لأماكن محددة بهدف التأكّد من خلوها من السلاح والذخائر.
هذه التعديلات كانت في إطار سلسلة من المحاولات الحثيثة التي جرت سابقًا على إثر عدوان تموز 2006 وصدور القرار 1701 بهدف وضع هذه القوات تحت الفصل السابع وتحويلها إلى قوة متعددة الجنسيات وزيادة عديدها الذي وصل في حينه إلى 15 ألف جندي من حوالي 48 دولة عضو في الأمم المتحدة، ومورس الابتزاز على لبنان بشكل متكرر لتمرير التجديد في إطار محاولات أحبطت لتعديل الدور المنوط بها وتوسعة المهام، وكانت تواجه برفض لبناني باعتبار أن الأمر يصب في مصلحة “إسرائيل” ويشكل ورقة ضغط على لبنان.
بدأ يتمظهر الدور المشبوه لهذه القوة الدولية من خلال التنسيق الأمني العالي المستوى مع العدو الإسرائيلي وتهميش دور القوى العسكرية اللبنانية الرسمية من خلال تطوير أنشطتها ومهامها بالدخول إلى أحياء القرى وزواريبها وطرقات البلدات الداخلية وتصوير منازل السكان الذين لطالما اصطدموا بهذه القوة المتسللة ومنعوها من إكمال طريقها وطردها لشعورهم بهذا السلوك المشبوه. والأحداث المرافقة كثيرة وشاهدة على هذه التصرفات، وفي ذاكرة الجنوبيين العديد من التوترات جرّاء صدامات وإشكالات بسبب إجراءات كانت تقوم بها تلك القوات من إقفال للطرق والمعابر ليلًا بين القرى ومنع مرور السيارات وإرجاعها من حيث أتت. أحداثٌ أدّت إلى الاصطدام والاشتباك المسلَّح المباشر مع هذه القوات ومنها في منطقة صور ثمانينيات القرن الماضي سقط فيها عدد من الشهداء المقاومين (اشتباكات مسلحة مع حركة أمل واستشهاد أحد مسؤوليها محمود حيدر ” أسير ” على حاجز لليونيفيل وعدد آخر من عناصرها) مضافًا إليها الدور السلبي الدائم في كشف حركة المقاومة وكمائنها وتحضيراتها لتنفيذ العمليات الهجومية ضد مواقع الاحتلال في حينه. أحداثٌ جرت في منطقة زبقين وياطر وكفرا ومثلث صربين – بيت ليف وحداثا وعلى تخوم الغندورية وعلمان الشومرية ومناطق أخرى من الجنوب على تماسٍ مع الشريط المحتل.
وتُجري هذه القوات بشكل دائم تبادلًا للمعلومات مع العدو الإسرائيلي، ولا ننسى الدور المشبوه للقوة الدولية خلال المواجهات في بلدة صريفا في شهر شباط من العام 1986 على إثر عملية الأسيرين في بلدة كونين ودورهم في جمع المعلومات وكشف نقاط المقاومة وتعرضها للقصف والإغارة على إثر ذلك، بل ووصلت إلى حد إدخال ضباط إسرائيليين في آلياتهم إلى بلدة صريفا خلال المواجهات المحتدمة وكاد يحصل صدامٍ لا تُحمدُ عقباه. والسؤال الأهم هنا: هل لليونيفيل شبكات خاصة بهم تعمل على جمع المعلومات؟ والجواب أكيد وحتمي، دائمًا هناك ضباط أمنيون يرافقون أي قوة عسكرية مهمتهم تجنيد المخبرين وجمع المعلومات، وهذا ما يحصل وتعمل عليه اليونيفيل في جنوب لبنان.
إنَّ التجديد الأخير وإضافة مهام ذات طابع سيادي له آثاره الخطرة على الوضع القائم في الجنوب، واستشعار المقاومة خطورة هذه المسألة واعتبارها أن أي تعديل هو غير شرعي ومناقض لأصل قرار انتداب هذه القوة في لبنان مما يضعها في مواجهة الناس مثل أي قوة احتلال، كما أنه منافٍ حتى لــ “التفاهمات الضمنية” التي رسمت دور هذه القوات وسلوكها وأهمها هو عدم استخدامها القوة والسلاح بوجه أبناء الأرض.
ويتوالى طرحنا للأسئلة البسيطة والمشروعة: هل التعديل للمهام جاء بناءً على الطلب الأميركي والإسرائيلي؟ وكم يشكِّلُ الصدام بين أهل الجنوب واليونيفيل خدمةً وهدفًا لهذا العدو؟ هل ما جرى هو فشلٌ في إدارة الملف من قبل رئاسة الحكومة ووزارة الخارجية، أم أنه استخفاف أو تواطؤ يرقى إلى مستوى الخيانة والتفريط بالسيادة الوطنية وبدأت تصدر على إثره بيانات لتغطية ولفلفة تلك السقطة المدوية للدبلوماسية اللبنانية؟ وكم ستكون الكلفة اليومية لوقف مفاعيله وتداعياته، واستتباعًا ما حقيقة الطرح المشبوه حول موضوع النقطة B1 عند رأس الناقورة على الحدود مع فلسطين المحتلة في هذا الظرف بالذات؟
وفق المعطيات والسلوكات السابقة لهذه القوة الدولية وعلى مدار 44 عامًا يبقى السؤال الأهم: ما هو الدور المشبوه الإضافي الذي يمكن أن تقوم به في أية مواجهة مقبلة مع العدو الإسرائيلي؟