عندما نتحدّث عن الشعر العاشورائي قد نتحدّث عن نمط خاص وأسلوب محدّد في عالم الشعر والأدب يحيي ذكرى عاشوراء سنة ٦١ للهجرة، ويروي لنا تلك الأحداث الملحمية ويسرد تلك الوقائع التاريخية بلغة الشعر. وهذا النمط من الشعر له دور فعّال في الحفاظ على التراث العاشورائي التقليدي وحضور الواقعة في قلوبنا وعقولنا وضمائرنا جيلاً بعد جيل وعاماً بعد عام.
لكن قد نقصد من الشعر العاشورائي معنىً آخرَ أوسع وأعم من النطاق الضيّق الذي شرحناه، وهو أنّ الشعر العاشورائي عبارة عن ذلك النمط الشعري الذي يأخذ على عاتقه مسؤولية إحياء الروح الكربلائية في كل زمان ومكان، ویقوم بمناصرة حسين كلّ عصر في مواجهة يزيد العصر. هذا النمط من الشعر لا يتوقّف في التاريخ، وإنما يتقدّم إلى الحاضر، وبل يتطلّع نحو المستقبل.
الشاعر العاشورائي بهذا المعنى الثاني هو ذلك الإنسان المؤمن الواعي الرسالي الذي يعتقد بمبدأ “كلّ يوم عاشوراء وكلّ أرض كربلاء”، وهو الذي يأخذ من أمثال دعبل والكميت والفرزدق أسوةً لنفسه ويسير في طریقتهم ويأمل الوصول إلى موقعهم وشأنهم الرفيع لدى الأئمة المعصومين عليهم الصلاة والسلام.
فالشعر العاشورائي بهذا المعنى الآخر ليس مجرد شعر نسمعه أو نبكي معه أو نُبکي الآخرین به، بل هو سلاح فعّال ومؤثّر جداً في معركة «جهاد التبيين».
اليوم، كما الكثير من عصور التاريخ الأخرى، نحن – تيار الولاية والمحبّين للأئمة عليهم السلام – نحتاج إلى التبيين، نحتاج إلى القول والإيضاح وعرض الحقائق أمام أنظار البشر. لو لم تكن أهمية التبيين، لما اهتمّ الإمام الصادق عليه السلام بشاعر مثل “الكُميت” بذاك النحو، أو الإمام الرضا عليه السلام بـ “دعبل”، والإمام السجاد سلام الله عليه بـ “الفرزدق”.
ماذا يعني قوله عليه السلام: “من قال فينا شعراً وبكى أو أبكى وجبت له الجنّة”؟ هل يعني أنهم خفّضوا ثمن الوصول إلى الجنة؟ الجنة التي يجب أن يُمارَس كلَّ هذا القدر من العبادة من أجل الوصول إليها، هل جعلوها بمتناول اليد أم لا؟ إنّ إنشاد الشعر وتسخير القلوب عبر ذاك الشعر ونقل المضامين في معرکة التبیین كان ينطوي على قدر من الأهمية بحيث كان يمكن الوعد بالجنة مقابل بيت من شعر يترك أثراً بهذا الحجم؟ وأنتم أيها الأحبّة، متى ما كانت أشعاركم تحتوي هذا النوع من الأثر، لا شك ولا ريب في وجود الوعد بالجنة.
المسار يتمثل في ملئكم الفراغات التي كان دعبل أو الفرزدق أو الكميت يملؤونها بأشعارهم. علينا أن نملأ حاجة العصر، وحاجة عصرنا هذا وعنوان مرحلتنا هذه هو جهاد التبيين. والشعر العاشورائي هو من أهمّ ساحات هذا الجهاد العظیم. في الختام نسأل الله وندعو کما علّمنا الإمام الخامنئي الذي بتعبیر سماحة السید حسن نصر الله هو «حسین عصرنا»، ونقول: «إلهي، بمحمّدٍ وآل محمّد، اجعلنا من جنود الجهاد العظيم في هذا العصر الذي هو جهاد التبيين».
(كلمة المستشار الثقافي للجمهورية الإسلامية الإيرانية في لبنان في حفل إعلان الفائزين بمسابقة “جائزة الشعر العاشورائي” الذي نظّمته بلدية الغبيري وجمعية إبداع)