عباس طالب عثمان – خاص الناشر |
تدق في هذا العالم، بين طيات الأشهر، طبول حرب تعزف ألحان أحداث صاخبة سيتلاشى صداها مع مرور الزمن في الأوساط الأميركية. ولعل آخر ما أطرب آذاننا احداث الازمة “الروسية -الاوكرانية ” التي ارتفعت اصوات ابواق الانذارات حولها، دون فائدة، كما حصل منذ سنة بين الصين والهند وايضا بين الاولى وتايوان. اصوات يتأرجح على موجاتها رئيس اوكرانيا الذي يناشد العقوبات الامريكية التي كانت تطلب منه التريث الى حين بدء “الهجوم” الروسي (والآن اصبحت تسيطر روسيا على جزء كبير من اوكرانيا، رغم العقوبات، والتي استخدمتها سلاحا لها في موضوع الغاز).فكيف لأزمة تهدد حدود دولة اوروبية تسيرها الولايات المتحدة الامريكية، ويعد امنها -حاليًّا- عاملًا اساسيًا يحفظ ماء وجه الولايات المتحدة الأميركية امام العالم بشكل عام وحلفائها بشكل خاص، ان تستمر بشبه هدوء دفاعي؟!
في هذا الإطار، يمكننا النظر الى بعض الاحداث السابقة التي تتعلق بالدول التي تبرز على محاور هذا الحدث الذي سوق له بشكل ضخم في مختلف انحاء العالم، فنرى ان اهم الداعمين لدولة اوكرانيا في المجال العسكري الجوي ليس الولايات المتحدة الامريكية او دولة اوروبية، بل هي تركيا التي تتفوق عليها روسيا في هذا المجال بفارق كبير بحسب موقع “غلوبال فاير باور” المختص بالمجال العسكري العالمي، حيث تحتل الاولى المركز التاسع عالميًّا وتتمركز الثانية في المركز الثاني عالميًّا. والجدير ذكره ان تركيا قد قامت بعقد اتفاقية شراء طائرات روسية منذ سنتين، مواجهة “قرار” الولايات المتحدة الامريكية الذي يمنعها من اتخاذ هذه الخطوة. فهل اهتمام الولايات المتحدة الاميركية بالأمن الاوكراني قد منعها من تزويدها بالأسلحة الكافية لمواجهة القطب المواجه لها اي روسيا؟ ولا يمكن تجاهل أن قيام الولايات المتحدة الاميركية التحذيرات ووضع العقوبات -التي تأتي متأخرة عادة- على روسيا لا تأتي بنتائج فعلية كالتي تتوقعها اميركا كما حصل في احداث سابقة (سوريا وافغانستان وإيران وفنزويلا وروسيا نفسها) حيث تخطت كل الدول التي واجهت هذه العقوبات والتحذيرات، القرارات الاميركية. اضافة لما سبق، نرى ان تصريح وزير الخارجية الالماني “زيغمار غابرييل”، خير دليل على مستوى الدعم الدولي المتهالك المقدم لأوكرانيا. يقول وزير الخارجية الالماني “الحقيقة هي انه يمكن ان يكون المرء مذنبًا دائمًا فيما يتعلق بتوريدات الاسلحة من خلال الفعل او اللافعل”. واضاف “نحن الالمان في الواقع ضد توريدات اسلحة الى مناطق الازمات لأسباب وجيهة، لأننا قلقون من تأجيج الصراعات من خلال ذلك بدلًا من تهدئته”. هذه التصريحات صدرت عن دولة اوروبية تعد الاكثر قدرة على التأثير في اوروبا، ويذكر فيها انها تسعى لحل الازمة لا لتأجيجها في الوقت الذي لم تحرك فيه ساكنًا، وقد تخطتها فرنسا فيه من جهة التحرك -وإن كان بلا نتائج فعلية- والسعي للوصول الى شبه تهدئة بين الطرفين . ولا يمكن تجاهل التحركات التي تحصل بين “مُسَيرات” اميركا في آسيا كلقاء رئيس تركيا مع الملك السعودي، اضافة الى لقاء الاول مع الرئيس الروسي والرئيس الايراني. هذه اللقاءات بين هذه الدول اللدودة، يظهر ايمانهم بضرورة اعادة النظر في وجهات النظر لتخطي الازمات بينهم. وتأتي تلك الخطوات بهدف دعم بعضهم البعض بعد بروز ملامح التهالك على الحضن الامريكي، والذي لطالما كانوا يعتمدون عليه لدعم قراراتهم السياسية والعسكرية في المنطقة.
في سياق الحديث عن شبه الخجل الغربي في التحرك على الجبهة الشرقية، لا يمكن تجاهل التحركات التي تحصل على الساحة الاقتصادية والمالية، والتي من الممكن ان توضح اسباب ذلك الخجل، خاصة من خلال ما تعكسه من ايجابية على قطاعات اقتصادية ومالية مختلفة. ارتفعت أسهم شركات انتاج الاسلحة وبينها “لوكهيد مارتن”و”نورثروب غرومان” اللتين ارتفعت اسهمهما بنسبة ٢. ٨% و ٤. ١% على التوالي في شهر شباط (بحسب الوكالة الفرنسية)، قبل حدوث اي احتكاك بين روسيا واوكرانيا.
ولم تكن شركات الاسلحة المستفيد الاكبر من احداث هذه الازمة، حيث ارتفعت اسعار النفط لأعلى مستوياتها منذ سبع سنوات. وعند بداية التحركات العسكرية الروسية، عرضت الولايات المتحدة الاميركية قرضًا لأوكرانيا من اجل دعم اقتصادها. اضافة الى ذلك، صرح “ديميتري بيسكوف” بأن هناك حرب عصابات اقتصادية تمارسها الشركات الكبرى.
تتشابه تلك الاحداث مع خطط نفذها اقطاب الاقتصاد الغربي كعائلة روتشيلد التي استثمرت احداثًا عالمية سابقة حصل بعضها منذ قرون عدة والبعض الآخر منذ عقود قليلة سابقة، ولعل أبرزها قيام هذه العائلة بدعم طرفين اندلعت حرب بينهما وهما الامبراطورية البريطانية وفرنسا حيث دعم “ناثان روتشيلد ” بريطانيا بينما دعم فرنسا اخوه “جيمس روتشيلد ” حيث قام الاول بنشر شائعات تقول ان بريطانيا خسرت الحرب مما ادى الى هبوط الاسهم البريطانية بشكل كبيرن، فقام بشرائها “ناثان روتشيلد”، وبعد وصول الخبر الحقيقي الذي يؤكد فوز بريطانيا في الحرب، عاودت الاسهم في بريطانيا الارتفاع فحققت بذلك عائلة روتشيلد ارباحا ضخمة في غضون ايام قليلة. وتظهر هذه الحادثة مدى تفوق المصالح الاقتصادية والتجارية بالنسبة للغرب الذي تسيطر عليه الشركات التجارية بشكل كبير، على المصالح الانسانية والامنية العالمية والتي يعيش العالم تقلباتها ونتائجها السلبية التي تلامس العالم.